قبائح تؤذي المؤمنين في حياتهم الاجتماعية (2)
مدة
قراءة المادة :
6 دقائق
.
ومن القبائح: الظن، وهو: "اسم لِمَا يحصل عن أمارة، ومتى قَوِيت أدَّت إلى العلم ، ومتى ضَعُفت جدًّا، لَم تتجاوز حدَّ التوهُّم"[1]، يقول الغزالي: "عَقْد القلب وحُكمه على غيره بالسوء، فأمَّا الخواطر وحديث النفس فهو معفوٌّ عنه، بل الشك أيضًا معفوٌّ عنه، ولكن المنهي عنه أن يظنَّ، والظن عبارة عمَّا تَرْكن إليه النفس، ويَميل إليه القلب، وسبب تحريمه أنَّ أسرار القلوب لا يعلمها إلاَّ علاَّم الغيوب، فليس لك أن تَعتقد في غيرك سوءًا، إلاَّ إذا انكشَف لك بعيانٍ لا يقبل التأويل،ومالَم تُشاهد بعينك ولَم تَسمعه بأُذنك، ثم وقَع في قلبك، فإنما الشيطان يُلقيه إليك، فينبغي أن تُكَذِّبه، فإنه أفْسَقُ الفُسَّاق"[2].فأهل الفضل يقدِّمون حُسْنَ الظن على سوئه، مُتَّبعين منهج الإسلام، ويُحسنون الظن بالله تعالى الذي يستمدون منه حُسْنَ الظن بالمؤمنين.
فالظن المحرَّم هو سوء الظن بالله تعالى، وكذلك بالمسلمين الذين ظاهِرُهم العدالة، وأمَّا الظنُّ المندوب إليه، فهو حُسن الظن بالمسلمين، وهذا هو الذي عليه الثواب.
وفي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، توجيه دقيق لا يَدَع المؤمنين يذهبون مع الظن في كلِّ وادٍ يَهيمون، أو يُحسنون الظن في كلِّواحد، بل الواجب عليهم تجنُّبُ كثير من الظنِّ، وبهذا المنهج تُحفظ كرامة الأشخاص وحُرُماتهم وحريَّاتهم، وفي الآية أيضًا توجيه كريم للمجتمع المسلم ألاَّ يدعَ أفراده وجماعته نَهْبًا للظنون السيِّئة والهواجس، وشُبهات الشكوك.
وبهذا يُقيم الإسلام مبدأً في التعامل، وسياجًا حول حقوق الناس الذين يعيشون في المجتمع النظيف، فتَظَل حقوقهم وحرياتهم مصونَةً؛حتى يتبيَّن بوضوح أنهم ارْتَكبوا ما يؤاخذون عليه.
ومن قبائح الخُلق التي تؤذي المؤمنين في حياتهم الاجتماعية:
التجسُّس:
الجسُّ: اللمس، وجَسَّ الشخص بعينه: أحدَّ النظر إليه؛ ليتبيَّنه، وجسُّ الخير: البحثُ عنه، "وذلك أن مَن يتجسَّس لا يترك عباد الله تحت ستر الله، بل يتوصَّل إلى الاطِّلاع وهَتْك الستر؛ حتى يَنكشف له ما لو كان مستورًا عنه، كان أسترَ لقلبه ودينه"[3].
فالله يخاطب المؤمنين يقول: "ولا يتتبَّع بعضكم عورةَ بعضٍ، ولا يَبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيبه، ولكن اقْنَعوا بما ظهَر لكم من أمره، وبه فاحْمدوا أو ذُمُّوا على ما لا تعلمونه من سرائره"[4].
وقد وردَت أخبار في تحذير المؤمنين من هذا الداء الخطير؛ حفاظًا على وَحْدتهم، وصيانةً لهم من الفساد؛ كقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «إنَّك إن تتبَّعْتَ عورات الناس، أفسدتَهم، أو كِدْتَ أن تُفسدهم»[5].
والإسلام يضع قاعدة سليمة تتفرَّع منها العلاقة مع الآخرين، أن يكون المسلم سترًا لإخوانه المسلمين، ولا يظن فيهم ظنَّ السوء، ولا يحقِّق الظنَّ بالتجسُّس.
ولقد كان النهي عن التجسُّس ذا أثرٍ في حياة الصحابة - رضي الله عنهم - ومَن تَبِعهم؛ لعِلمهم بعَظَمة النهي في الآية والأحاديث النبوية، ولإصغائهم لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقد رفَع صوته حتى أسْمَع العواتق في بيوتهنَّ خطيبًا، فقال: «يا معشر مَن آمَن بلسانه، ولَم يدخل الإيمان قلبَه، لا تَغتابوا المسلمين، ولا تتبَّعوا عوراتهم؛ فإنه مَن اتَّبع عورتهم، يتَّبع الله عورته، ومَن يتَّبع الله عورته، يَفضحه في بيته»[6].
فالتجسُّس لا يتناسب مع منهج الإسلام في أمره لأفراد المجتمع بالستر على المسلمين، ونَهْيه عن تحقيق الظنِّ بالتجسُّس عليهم.
وإنما الذي يتَّفق مع منهج الإسلام لزومُ الستر على المسلمين، وعدم فَضْحهم، وعدم التعدِّي على حُرُماتهم، ومَنْحهم حقوقَهم، والابتعاد عن المحرَّمات، والاستغناء عنها بما أباحَ الله من المعاملات الجائزة.
[1] المفردات في غريب القرآن؛ الراغب الأصفهاني، باب الظن، 539، ط1، 1412، دار القلم الشامية: دمشق.
[2] إحياء علوم الدين، ج3/159.
[3] إحياء علوم الدين؛ الغزالي، ج3/161.
[4] جامع البيان؛ ابن جرير الطبري، ج26/ 135.
[5] سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في النهي عن التجسُّس رقم 4888؛ صحَّحه الألباني .
[6] سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في الغيبة ، رقم 4880؛ حسَّنه الألباني.
_________________________________________________________
الكاتب: أ.
سلمان الجدوع