أرشيف المقالات

من يستهدف طمس الهوية الإسلامية؟

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
إن الغيورين على دينهم في المغرب، عندما يَتَّهِمُون مخطِّطي الغرب بالوقوف وراء مثل هذه المهرجانات، لا يفترون عليهم؛ فكلُّ تلك النيَّات لا بد أن تجد لها صلةً بالغرب، إما من حيثُ الفكرةُ، أو الإنتاج، أو الاحتضان.

إن صناعة النجوم والأبطال، كانت منذ عهدٍ قريب تتم في المساجد، والمدارس، وساحات الجهاد ، وبمعاييرَ جِدُّ رزينةٍ، ولا نصيبَ للتَّافه من الناس في ذلك.

فالأقمار التي يُستضاء بنور سيرتها، أمثال الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين، والفاتحين، التي رُبِّيتْ في المساجد، فتكونت منها أبطال في الأدب، والفلك، والرياضيات، والتاريخ، فمُكِّنوا في الأرض، ورَفعوا من قيمة المسلم، حتى أمسَتِ الدولة الإسلامية يُضرب لها ألف حساب؛ لمجرد التفكير في غزو قُطْر من أقطارها، فهؤلاء القوم لم يَحصُلوا على هذا العزِّ بتنظيم المهرجانات؛ وإنما بإقامة شرع الله عز وجل على الأرض، فحقَّق الله مبتغاهم؛ مصداقًالقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7].

هؤلاء الأبطال غُيِّبوا عن واقع الأمة الإسلامية، وعن ثقافتهم؛ حتى لا يتَّخذوهم قدوةً وأسوة.

أما اليوم، فصناعةُ البطل والأسوة، تتم من خلال إعلام هابط، بدءًا ببرامجَ همُّها إفسادُ الذوق العام للمغاربة، وإقصاءُ الحياء من البيوت وبين أفراد الأسرة المسلمة، وما "ستار أكاديمي" المغربي، و"أستوديو دوزيم" عنا ببعيدٍ، وغيرهم ممن ظهر حديثا.

فنجوم هذه البرامج هُمُ النموذج الذي يحلم به الشابُّ المغربي، وهن القدوات اللاتي تتمنى الكثيرات من الفتيات أن يَصِرْنَ مثلَهن.

وطبعًا تُوفَّر لهذه البرامج الإمكاناتُ الضخمة من الأموال العامة؛ حتى تكون النتيجةُ المرجوة، وهي الحصول على جيلٍ، سماتُ وقيم الغربِ هي المسيطرة على سلوكه.

فمنتجو هذين البرنامجين - منتجو الفتنة - مثلاً يرجون منها - على زعمهم - اكتشافَ طاقات شابة، وصقل مواهبها؛ للرفع من مستوى الفن الفاسد؛ لأن ما يَنقُصُ بيوتَ المسلمين هو هذا النوع من المنتَج!

فبدل الرفع من ميزانية البحث العلمي، والحرص على احتضان الطاقات الشابة، التي ما فتئت تبحث عمَّن يتبنى ابتكاراتِها، تُصرَف اهتماماتُ الشباب المغربي إلى الغناء والتمثيل، ويُحتضن المائعون والمائعات، في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى بناءِ وتقوية وتنقية الشخصية المغربية من أدران السياحة، التي أصبحت رهين اقتصاد بلدنا، والتي فرضت تحدي التنقيب عن المغنيات والممثلين والشواذ؛ حتى نوفر المواد الاستهلاكية للسائح الغربي.

أما هذا البرنامج، فالفكرة أجنبية، والدعم قدِّم له من طرف شركة "ميدتيل" البرتغالية - الإسبانية، التي هي من قبيل الاستثمارات الأجنبية في المغرب، التي لا تتوانى في مسح الثقافة المغربية الإسلامية[1].

و"ستار أكاديمي" بدأت فكرتُه في أوربا وأمريكا، ثم تلقَّاها نصارى لبنان، الذين يُعتبرون مدخلَ الغزو الغربي العسكري والفكري عبر التاريخ، ثم بعد ذلك تلقَّفها المسلمون في المغرب العربي المتَّبع - أو الذي كان متبعًا - لمذهب الإمام مالك، أشد المذاهب صونًا للمرأة والرجل عن مزالق الشهوات، ومهالك الرذائل[2].

ومن مظاهر الترويح عن النفس في بلدنا الغالي: المهرجاناتُ، التي ضخت الدولةُ إمكاناتٍ ماديةً هائلة؛ حتى تكون في مستوى الحدث، وأي حدث؟! حدث الأحد عشر قتيلاً في الليلة الختامية لمهرجان "موازين"، الذي نُظِّم هذه الأيامَ بالعاصمة المغربية "الرباط"، والتي حجَّ إليها كلُّ مَن هبَّ ودب من المغنِّين والمغنيات، الذين يحصلون على أجور مرتفعة، والكفيلة بالتخفيف من وطء البطالة، والحاصلين على "الإجازة" من شيوخ العلمانية في بلدانهم في تمييع المسلمين، وللأسف لم يلقَ استنكارُ إسلاميين مغاربة على تنظيم هذا المهرجان آذانًا مصغية.

واعترض هؤلاء بالخصوص على المغنية الأسترالية "كايلي مينوغ"؛ باعتبار أن تعويضاتها المادية عن الحفلات الغنائية التي تنشطها تكون خياليةً، في الوقت الذي يعيش المغرب على إيقاع الأزمة الاقتصادية العالمية، مستنكرين استضافة "كيلوغ" أيضًا؛ بسبب عُرْيها وهي تغني بملابسها الداخلية الفاضحة.

ووصَفَ أحدُ أعضاء رابطة علماء المغرب استضافةَ المهرجان لمثل هؤلاء المغنيات، اللاتي يركِّزن على العري والفضائح، بأنه "منكر من المَناكِر المتعددة الموجودة في المغرب"، مضيفًا أنه لا بد من تغيير هذا المنكر من خلال المطالبة بمنع تنظيمه.

وأكَّدالعضوُ نفسُه أنه لم تعد هناك معاييرُ واضحةٌ وهادفة في تنظيم المهرجانات بالمغرب، مستغربًا كيف سمح المغربُ ذو الهُوِيَّة الإسلامية بتنظيم مهرجان   غنائي دولي السنة الماضية، استضاف مغنيًا ألمانيًّا، كان يؤدِّي بلا استحياء أغنيةً بعنوان: "الإله أنثى"! وأيضًا تعرِّي مغنٍّ إسباني كاملاً فوق المنصة أمام الجمهور خلال مهرجان موازين العام المنصرم؟!

وزاد الداعية المغربي بالقول: إن منظِّمي هذه المهرجانات يحاولون - باسم الفن والسياحة - أن يخدِّروا الأمَّة كلها، خاصة الشباب؛ من أجل تضليلهم وغوايتهم بمهرجانات غنائية لا فائدة منها؛ بل إن خسائرها كبيرة؛ بسبب الملايين الطائلة من الدراهم التي تُصرف عليها من أموال الشعب المغربي[3].

إن إحداث مثل هذه المشاريع الهدَّامة هو عمل مستورد مائة في المائة من الغرب الكافر، الذي لا يعرف أيَّ معنى للأخلاق والقيم، ويذكِّرنا بقوله تبارك وتعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [المائدة: 82]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لتتبعُنَّ سَنَنَ مَن كان قبلكم، شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جُحر ضب، تبعتموهم»، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: «فمن»؟![4].

هذا الواقع سنعانيه ما دمنا قد فقدنا تميُّزَنا بهُويتنا، وهجرْنا أسبابَ عزَّتنا (التمسك بالكتاب والسنة بفهم صحيح).

لقد أغلظ الله عز وجل على كلِّ مَن يستهدف المسلمين في دينهم، وتوعَّدهم بالعذاب في الدنيا والآخرة؛ في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19].

ولا يخفى على كلِّ من كان في قلبه بصيصُ نور من إيمان وتقوى، أن مثل هذه المهرجانات والبرامج الفضائية، التي تفيض بالمخالفات الشرعية، من عريٍ، وتبرُّج، وعلاقات غير شرعية، واختلاط، وخضوع في القول - خلَّفت آثارًا سلبية، أسهمت بشكل مباشر في محو قناعات المغاربة بضرورة التمسُّك بالقيم الإسلامية؛ إذ تَنشر فيهم الفاحشةَ بحُجة الترويح عن النفس، والحرية في أحلى حللها، والخروج من عقدة الكبت والقمع التي تمارسها الأحكام الشرعية والقيم والتقاليد.

وأخيرًا يتساءل المرء: كيف يتم إنشاء مثل هذه المشاريع والبرامج، في ظلِّ ما تعانيه الأمة الإسلامية من ويلات الحملات الصليبية عليها؟! فهل واقعُ العراق وفلسطين، وغيرها من الأقطار الإسلامية الجريحة، من اهتمامات شباب "أستوديو دوزيم، ستار أكاديمي"؟!

وهل يُنتَظر من هؤلاء الشباب الدفاعُ عن المغرب إن أصابه - لا قدر الله - ما أصاب فلسطين والعراق، أو سيحاربون الأمريكان بالدُّف والعود، أو ستخرج هذه البرامجُ نجماتٍ ساطعات تصمُّ آذانَ الناس بقرع الدفوف، وأنغام "أستديو دوزيم" في ليالي الصيف؛ حتى لا يتأثروا بأصوات المدافع والمقاتلات؟!

وعلى قول الشاعر أختم هذه الكلمات، النابعة من قلب غيور على حرمات المسلمين والمسلمات؛ لعلها تجد آذانًا مصغية لدى المسؤولين وصناع القرار؛ لتغيير هذا المنكر، ولنرى حالاً أفضل من هذا الذُّل التي تعيشه الأمة الإسلامية.
بِكَ يَا زَمَانَ اللَّهْوِ أَشْكُو غُرْبَتِـــــي   ***   إِنْ كَانَتِ الشَّكْوَى تُدَاوِي مُهْجَتِي 
قَلْبِي تُسَاوِرُهُ الهُمُومُ تَوَجُّــعًـــــــا   ***   وَيَزِيدُ هَمِّي إِنْ خَلَوْتُ بِظُلْمَتِـــي 
جَفَّتْ دُمُوعِي مِنْ فَوَاجِعِ مَـا أَرَى   ***   لَكِنَّ صَبْرِيَ فِي الشَّدَائِدِ قُوَّتِــــي 
 
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي القدير.
 [1] جريدة السبيل، العدد21، 1 أبريل 2007.
[2] نفس المرجع.
[3] عن موقع قناة العربية.
[4]رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لتتبعنَّ سَنَنَ من كان قبلكم))، رقم ح 6889.
______________________________
الكاتب: مبروك رشيد

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١