أرشيف المقالات

صديقي العزيز..

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
صديقي العزيز ..


الصحبةُ والصداقة والأخوَّة جميلةٌ وطيبة، وتزداد طِيبًا وتألُّقًا عندما يصْحَبها الطاعة والتقوى والإيمان، والله عز وجل قد ذكر بأن الأخلَّاء تنتهي عَلاقتهم بعد الموت إلا المتقين؛ قال تعالى: ﴿ الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ ﴾ [الزخرف: 67]؛ ولذلك جاء التوجيه النبويُّ باختيار الصاحب والصديق؛ ففي الحديث: ((لا تصاحِبْ إلَّا مؤمنًا، ولا يأكل طعامَك إلا تقيٌّ)، و((المرءُ على دين خليله، فلينظرْ أحدُكم من يخالِل)).

وقد نال الصحابة الكرام رضيَ الله عنهم شرفَ صحبة خير البشر، وفرِحوا بها أيَّما فرحٍ، نسوا معها الجوع والتعب والألم والوجع، وعندما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه بالهجرة، قال: الصُّحبةَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قال: ((نَعَم الصُّحْبَة))، فبكى أبو بكر من شدة الفرح بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأولى الناس بالصحبة والصداقة والمحبة، هما: الوالدان الكريمان العزيزان، وقد سُئل الرسول صلى الله عليه وسلم: "يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَقُّ مِنِّي بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟"، قَالَ)) :أُمُّكَ))، قَالَ: "ثُمَّ مَنْ؟"، قَالَ: ((ثُمَّ أُمُّكَ))، قَالَ: "ثُمَّ مَنْ؟"، قَالَ: ((ثُمَّ أُمُّكَ))، قَالَ: "ثُمَّ مَنْ؟"، قَالَ: ((ثُمَّ أَبُوكَ)).


وأذكرُ صاحبًا عزيزًا، بدايةُ المعرفة به كانت في المرحلة الابتدائية، وبدأت الصداقة في المرحلة المتوسطة، وكان يجمعنا المسجدُ والمدرسة والحي الذي نسكنه.
 
وكنا ثلاثةَ أصدقاء اتفقنا على دراسة أحد الصفوف (الصف الثاني المتوسط) في الإجازة الصيفية - حيث النظام يسمح بذلك لمن أراد - فكنَّا نجتمع في مسجد الحي بعضَ الأوقات، وندرُس الكتب المقررة، ثم نرجع إلى البيوت لنواصل الدراسة طَوال الليل، وأحيانًا إلى الفجر، كانت الرغبة شديدة، والهِمَّة عالية، والأمل كبيرًا.
 
ومع بداية الدراسة تقدَّمنا للامتحان، ونجحنا - نحن الثلاثة - بفضل الله، وانتقلنا مباشرة إلى الثالث المتوسط، والذي يُعدُّ - وقتها - نهايةَ مرحلة حاسمة، وهي آخر مرحلة للدراسة في القرية؛ فلا توجد مرحلة ثانويَّة، والناجحون سوف ينتقلون إلى المدينة أو العاصمة.
 
وبعد النتائج، اتجه أحدُنا للعمل، وبقينا اثنين: أنا وصاحبي، توجهنا إلى العاصمة، وكان السَّكَن بالقسم الداخلي؛ حيث الطلاب من مناطقَ مختلفة، وكان شيئًا جديدًا بالنسبة لنا.
 
استمرت الأخوة والصداقة، في السكن والمدرسة والمسجد، وكنا - في الغالب - نسافر إلى القرية معًا مع بعض الأصحاب.
 
وبقينا ثلاث سنوات، وكان التنافس في السنة الأخيرة شديدًا، وكلٌّ مشغول بكتبه ودراسته واجتهاده؛ فهذه المرحلة أشدُّ من سابقتِها؛ حيث يترتب على النتيجة الابتعاث من عدمه، ولم تكن هناك جامعة في البلاد.
 
اتجه صديقي للعمل بعد الثانوية، ولحِقته بعد شهور؛ ولكنني واصلت الدراسة الجامعية، وتوقف هو عن المواصلة، وبقيت الصحبة مستمرة والمحبة دائمة.
 
انتقلت للعمل في بلد آخر والتواصل الأخويُّ مستمر، ولنا لقاءاتٌ في مواسم الأعياد والإجازات.
 
وفي العام 1997م، صُدمت بخبر وفاة صاحبي نتيجةَ حادثٍ أصابه، فتألَّمتُ لفِراقه، وحزِنت لموته، وانقطع التواصل؛ ولكن بقيَ تذكُّرُه والدعاء له، وما زالت ذكرياته الجميلة ومواقفه الطيبة لا تُنسى؛ فله بصمات في الحي والمسجد والمدرسة وغيرها من الأماكن التي صحِبتُه فيها.
 
ما زلت أتذكَّر تلاوتَه الجميلة لكتاب الله، وإمامتَه لنا في الصلاة بعض الأحيان، واعتناءه بتدبر كتاب الله، ووقوفه عند بعض المعاني، أخلاقُه الفاضلة، وحديثه الشائق، ومواقفه الرائعة: ما زالت تأتي بين الحين والآخر.
 
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، ونوَّر عليه في قبره، وجمعنا الله به في دار رحمته.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢