ومضات تربوية وسلوكية:الرابع والعشرون - خالد سعد النجار
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
تذخر بطون الكتب بالعديد من الأفكار الذهبية والعبارات المحورية الجديرة برصدها وتدوينها للوقوف على كنوز مفكرينا وكُتابنا العظام، وللانتفاع بالفائدة المرجوة منها، ولذلك حرصت خلال جولتي بين دفوف الكتب أن أرصد هذه الثروات الفكرية والتربوية والتحليلية، وأنقلها بنصها كما وردت فيها أو باختصار طفيف في بعض الأحيان، هذا كي يستفيد منها القاسي والداني، سائلا المولى عز وجل أن ينفع بها الكبير والصغير، وأن يكتب لكاتبها وجامعها وقارئها الأجر والمثوبة إنه نعم المولى ونعم النصير. (حب الستر)
عن عُرْوَةَ أَنَّ الْمُنْذِرَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدِمَ مِنَ الْعِرَاقِ فَأَرْسَلَ إِلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ بِكِسْوَةٍ من ثياب مَرْوِيَّةً[نسبة إلى مرو من بلاد فارس] وَقَوْهِيَّةً [ثِيابٌ بِيضٌ، فارِسِيَّةٌ.] رقاق [وهذا عيب هذه الثياب؛ كونها رقاق] عتاق بعد ما كُفَّ بَصَرُهَا.
قَالَ: فَلَمَسَتْهَا بِيَدِهَا ثُمَّ قَالَتْ: أُفٍّ! رُدُّوا عَلَيْهِ كِسْوَتَهُ.
قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وَقَالَ: يَا أُمَّهْ إِنَّهُ لا يَشِفُّ.
قَالَتْ: إِنَّهَا إِنْ لَمْ تَشِفَّ فَإِنَّهَا تَصِفُ.
قال: فَاشْتَرَى لَهَا ثِيَابًا مَرْوِيَّةً وَقَوْهِيَّةً، فَقَبِلَتْهَا وَقَالَتْ: مِثْلَ هَذَا فَاكْسُنِي.
فهذه أسماء ــ رضي الله عنها ـ بعدما كفَّ بصرها، وبلغت من العمر ما بلغت ترد هدية ابنها من القماش الذي لا يشف، ولكنه يصف حجم العظام، ولم تعذر نفسها بكف البصر، أو بكبر السن، فتتساهل بلبس ما يصف من الثياب ؛ كحال نسائنا اليوم
وعن فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورضي عنهاـ أنها قالت لأسماء بنت عميس -رضي الله عنها-:إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يُصْنَعُ بالنساء؛ يطرح على المرأة الثوب[تقصد المرأة وهي على النعش بعد وفاتها وتكفينها] فيصفها.
فقالت: يَا ابْنَةَ رَسُوْلِ اللهِ أَلاَ أُرِيْكِ شَيْئاً رَأَيْتُهُ بِالحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَحَنَتْهَا ثُمَّ طرحت عليها ثوبا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ، إِذَا أنا مت فغسليني أنت وعلي، ولا يدخل أحد علي.
فلما توفيت صنع بها ما أمرت به.
قَالَ ابن عبد البر: فاطمة -رضي اللَّه عنها- أول من غطي نعشها من النساء فِي الإسلام عَلَى الصفة المذكورة فِي هَذَا الخبر، ثم بعدها زينب بنت جحش ــ رضي اللَّه عنها ــ صنع ذلك بها أَيْضًا.
ورد في الحديث: ( «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيِيٌ سِتِّيرٌ يحِبُّ الحَياءَ والسِّتْرَ» ) [أبو داود]؛ فمن شَأْنه –تعالى- حب السّتْر.
قال الطيبي: "وصف الله بالحياء والستر؛ تهجناً لكشف العورة وحثا على تحري الحياء والستر"
ومن أوجه التقرب إلى «الستير» -سبحانه- بأن تكون ستّيراً ..
قال ابن تيمية : "والله تعالى يحب من العباد أمورًا اتصف بها؛ كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( «إن الله وَتْرٌ يُحبُّ الوَتْر» ) وقال: إنهُ «جميلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ» ...
ونحو ذلك، وقال: ( «الراحِمُون يرحمُهُم الرحمن» ) فهو يحب اتصاف العبد بهذه الصفات وتعَبّده بهذه المعاني المحبوبة".
وقال ابن القيم : "ولمحبته لأَسمائه وصفاته أمر عباده بموجبها ومقتضاها، فأمرهم بالعدل والإِحسان والبر ...
ولما كان سبحانه يحب أَسماءَه وصفاته كان أَحب الخلق إِليه من اتصف بالصفات التي يحبها".
ولاسيما أن من الصفات التي يحبها الله الستر، فيشرع للعبد التعبد إليه سبحانه بالاتصاف به .[ حوار حول عورة المرأة أمام المرأة، د.
عبير المديفر]
أتباع الحق
أتباعُ الحقِّ لابدَّ أن يمرُّوا على قنطرةِ الابتلاء ، وتَعْرِض لهم كلاليب الِمحن في سَيْرهم، وهذا من علامة الإرثِ الصَّحيح والمتابعة التَّامَّة كما قال بعض السَّلف، إلاَّ أنَّهم أعظم النَّاس صبرًا ويقينًا، وعندهم من الشَّجاعة والثَّبات أضعاف ما هو عند أهل البدع والأهواء.
[الشيخ عز الدين رمضاني]
الوهابية
لخص الشَّيخ ابن باديس رحمه الله دعوة الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله بمقولته الذَّهبيَّة وحرَّر بنبراس قلمه تلك الجُملة العصماء: «وإنَّما كانت غاية دعوة ابن عبد الوهَّاب تطهير الدِّين من كلِّ ما أحدث فيه المُحدِثون من البدعِ في الأقوال والأعمال والعقائد والرُّجوع بالمسلمين إلى الصِّراط السَّويِّ من دينهم القويم بعد انحرافهم الكثير وزيغهم المُبين»،
وتلاه بيان الشَّيخ الإبراهيمي في غاية ما تكون المنافحة عن الحقِّ والانتصار لأهله فقال: «ويقولون عنَّا إنَّنا وهَّابيُّون كلمةٌ كثُر تِردادُها في هذه الأيَّام الأخيرة… إنَّ العامَّة لا تعرف من مَدلول كلمة «وهَّابي» إلاَّ ما يُعرِّفها به هؤلاء الكاذبون، وما يعرف منها هؤلاء إلاَّ الاسم وأشهر خاصَّةٍ لهذا الاسم، وهي أنَّه يُذيبُ البدع كما تُذيبُ النَّار الحديد، وإنَّ العاقلَ لا يدري ممَّا يعجب: أَمِن تنفيرهم باسمٍ لا يعرف حقيقته المخاطِبُ منهم ولا المخاطَب!؟ أم من تعمُّدهم تكفير المسلم الَّذي لا يعرفونه نكاية في المسلم الَّذي يعرفونه!؟»
حسرات ثقافية
الثقافة لا تنتهي لحسرة إلا بسبب فقدان المعيار القيمي وتحولها إلى مهنة للاسترزاق والاستطلاع المادي .
[د.حمزة بن فايع الفتحي]
في المسألة قولان
السؤال المهم هل هذا الخلاف وتعداد الأقوال في المسألة الواحدة للبحث عن مواطن إجلال هذه الشريعة وكيف نحقق مراضي الله تعالى ! ونجل شعائره ! أو لنتخلّص من أحكامها ونسعد بالبقاء على شهواتنا ورغباتنا ؟!
ماذا لو قيل لنا بأنه لا حرج علينا في الأخذ من شعورنا وأظافرنا في العشر الأول من ذي الحجة وقيل لنا بأن حديث النهي الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم الذي تلقته الأمة بالقبول ( إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعَرِهِ، وَأَظْفَارِهِ) أعله الدار قطني، وقيل لنا لا تعقوا عن أبنائكم ولا تضحّوا عن أنفسكم يوم النحر لأنها سنة عند جماهير العلماء ! وكل محظور ترتكبونه في الحج فليس عليكم فيه فدية، افعلوا ما شئتم لأن مبنى الفدية على أثر ابن عباس: «من ترك نسكاً فليهرق دماً»، ولو تركتكم المساجد من صلاة الجماعة بالكلية فهي سنة عند الشافعية ليست بواجب !
يا أيها المؤمنون :
إذا بلغكم عن نبيكم صلى الله عليه وسلم سنة صحيحة فمن كمال توفيق الله تعالى لكم إجلالها والفرح بها وتحويلها إلى واقع تطبيقي في حياتكم والوعد الكبير الذي تنتظره من خلال هذه السنة وعد ربك تعالى: { {قُل إِن كُنتُم تُحِبّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعوني يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنوبَكُم وَاللَّهُ غَفورٌ رَحيمٌ} } [ د.مشعل بن عبد العزيز الفلاحي]
د/ خالد سعد النجار