أرشيف المقالات

في لحظة صفاء - ظافر بن حسن آل جبعان

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن الإنسان في هذه الدنيا يتقلب بين حالين، فمرة سراء وأخرى ضراء، وبين شدة ورخاء، وسعة وضيق، وعسر ويسر، وفرح وحزن، ونشاط وفتور، وفراغ وانشغال، ومرض وصحة، وصفاء واهتمام.
والعبد المسلم في كلا الحالين مأجور إذا صبر وشكر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث صهيب رضي الله عنه: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ» (أخرجه مسلم:7692)، قال الإمام المناوي في (فيض القدير:4/302): "العبد ما دام قلم التكليف جاريًا عليه، فمناهج الخير مفتوحة بين يديه، فإنه بين نعمة يجب عليه شكر المنعم بها، ومصيبة يجب عليه الصبر عليها، وأمر ينفذه، ونهي يجتنبه، وذلك لازم له إلى الممات".
ومن تلك الأحوال التي يمر بها المسلم في حياته حالة الصفاء، وخلو البال، وفي تلك الحالة، وفي ذلك الصفاء يتميز الناس في استغلال ذلك الصفاء.
فمنهم من يتعجل ذلك الصفاء في أمور لا تعود عليه بالنفع في الدارين، وتمر تلك اللحظات الغالية، والنسمات الرائقة، بدون ما فائدة، ودون ما إحسان، وليس هذا ما أعنيه في هذه الوقفة مع تلك اللحظة الهانئة.
إنما الحديث عن أصحاب الهمم العالية، والنفوس الأبية، والأفكار الندية، والأرواح الزكية، التي ما تفتأ أن تتلذذ بتلك اللحظة السعيدة، التي تكون النفس فيها صافية، ومقبلة، وهادئة هانئة فتستثمر تلك اللحظات، وتستغل تلك المناسبات بما يعود عليها بالفلاح والنجاح في الدارين.
تكون تلك اللحظة لحظة ذات معنى وذكرى، ذات عبرة وعبرا، ذات نصح وعطاء، وبذل وإخاء، وتذكر واعتبار.
في لحظة الصفاء يستلهم الذكي، ويستنير البصير، ويهتدي السائر، ويزداد المتأمل عبرًا، والمتفكر فكرًا، والمقتدر اقتداراًً فتكون تلك اللحظة مكسبًا ومغنمًا، لا وزرًا ومغرماًً.
لحظة الصفاء يستغلها المخلص ليزداد إخلاصًا، والمبدع ليزداد إبداعًا، والكاتب ليزداد سطوعًا، والداعية ليزداد إسماعًا، والسائر ليزداد ثباتًا، والمحسن ليزداد إحسانًا، والناصح ليزداد قبولًا، والداعي ليحوز إجابةً.
لحظة الصفاء لا تمر على الكرام مرور الكرام، بل يتلقفونها تلقفًا، ويتلقونها تلقياًً.
أخي المبارك:
إياك، ثم إياك أن تمر عليك مثل هذه اللحظات ثم تذهب كقطرات مطر استدبرته الريح، فلا ماء قر، ولا أرض نفع.
وأسأل الله أن يجعلني وإياك من المباركين، النافعين لأمتهم والدين.

شارك الخبر

المرئيات-١