(10) خُلق الشجاعة - شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم - أم سارة
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
المؤمن الحق قوي الإرادة شديد العزم، يستقبل أموره الحياتية بشجاعة وإيمانٍ ثابت ويقين بعون الله له، سواء كان ذلك في الشدة أو الرخاء، ولنا في شجاعة وإقدام الرسول صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة، فقد كان أشجع الخلق، وأقدرهم عزيمة، وأقواهم إرادة..ومن نماذج شجاعته صلى الله عليه وسلم وقوفه بجوار المظلوم في وجه الظالم، بالرغم من قسوة وعداوة هذا الظالم لرسول الله ولدين الله، وقد حدث ذلك الموقف قبل الهجرة من مكة حيث العداوة والإيذاء لرسول الله من قومه، في حين أن الظالم المقصود (أبو جهل) كان لديه من القوة والمنعة في قومه بحيث لا يستطيع الغريب النجاة من ظلمه، وهنا يُروى أنه جاء رجل من (إراش) إلى مكة ومعه إبل يتاجر فيها، فاشتراها منه أبو جهل –عدو الله ورسوله- ثم ماطله في ثمنها، فاستغاث الرجل بالناس، وطلب العون لرد الظلم عنه فلم يجد من يُغيثه، وأشار عليه جماعة من قريش شهدوا الموقف أن يذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعينه، وما فعلوا ذلك إلا استهزاءً، فهم يعلمون ما بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبي جهل من عداوة، فذهب الرجل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:
"يا عبد الله، إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غَلَبَني على حقٍّ لي قِبَلَه، وأنا رجل غريب، ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤدِّيني عليه، يأخذ لي حَقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فَخُذ لي حَقِّي منه، يرحمك الله.
قال: انطلق إليه، وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأوه قام معه، قالوا لرجل ممَّن معهم: اتبعه، فانظر ماذا يصنع؟
قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه، «فضرب عليه بابه»، فقال: من هذا؟ قال: «محمَّد، فاخرج إليّ»، فخرج إليه، وما في وجهه من رائحة، قد انتقع لونه، فقال: «أعط هذا الرَّجل حقَّه».
قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له.
قال: فدخل، فخرج إليه بحقِّه، فدفعه إليه.
قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للإرَاشِي: «الْحَقْ بشأنك».
فأقبل الإرَاشِي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرًا، فقد والله أخذ لي حَقِّي..." (إلى آخر الحديث كما في سيرة ابن هشام:839/1).
أما عن شجاعته صلوات ربي عليه في ميدان القتال، فيقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولقيَ القومُ القومَ، اتَّقَينا برسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فما يَكونُ منَّا أحدٌ أدنا مِنَ القومِ منهُ" (مسند أحمد:343/2).
والمشهور أن الجُند يحمي قائده حفاظًا على حياته لا أن يتقي به! ولكن شجاعة المصطفى صلى الله عليه وسلم جعلته دائمًا هو الأقرب للعدو، فصلوات ربي عليك وعلى آلك وصحبك أجمعين
وعن شجاعته صلوات ربي عليه عندما تعرض أهله وأصحابه لخطر، يقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "كانَ أحسنَ النَّاسِ وَكانَ أجودَ النَّاسِ وَكانَ أشجعَ النَّاسِ، ولقد فزِعَ أَهلُ المدينةِ ليلةً فانطلقوا قِبَلَ الصَّوتِ فتلقَّاهم رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ وقد سبقَهم إلى الصَّوتِ وَهوَ على فرسٍ لأبي طلحةَ عَرِيٍ ما عليْهِ سرجٌ في عنقِهِ السَّيفُ وَهوَ يقولُ: «يا أيُّها النَّاسُ لَن تراعوا» يردُّهم ثمَّ قالَ للفرَسِ: «وجدناهُ بَحرًا» -أو «إنَّهُ لبَحرٌ»" (صحيح ابن ماجة:2254)، وهنا نجده صلوات ربي عليه أول من يستطلع الأمر ويهدىء من روع القوم ويأمرهم بالسكينة وعدم الخوف، بل أنه يداعب الفرس ويصفه بسرعة الحركة..
ولم يستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاعته هذه يومًا انتقامًا لنفسه بل كانت في سبيل الله فقط، وعن ذلك تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «ما ضرب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ شيئًا قطُّ بيدِه، ولا امرأةً، ولا خادمًا، إلا أن يجاهدَ في سبيلِ اللهِ، وما نِيلَ منهُ شيٌء قطُّ فينتقمُ من صاحبِه، إلا أن يُنتهك شيٌء من محارمِ اللهِ فينتقمُ للهِ عزَّ وجلَّ» ( صحيح مسلم :2328).
والأمثلة عن الشجاعة والإقدام كثيرة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلها تدل على شجاعته المبنية على يقينٍ وثباتٍ، وأخلاقٍ ومبادىء تجعلها مضرب المثل لكل العصور، فلنتخلق بأخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم إن كنا نريد الله والدار الآخرة، واللهم صل وسلم وبارك على المصطفى وعلى آله وصحبه أجمعين.