أخرج ابن عساكر عن الزهري قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلى جانب من الحجاز يدعى (رابغ)، فانكفأ المشركون على المسلمين، فجاءهم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه يومئذ بسهامه، وكان أول من رمى في سبيل الله، وكان هذا أول قتال في الإسلام".


بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسوله عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر شهرا من الهجرة في اثني عشر رجلا من المهاجرين، كل اثنين يعتقبان على بعير، فوصلوا إلى بطن نخلة يرصدون عيرا لقريش، وفي هذه السرية سمي عبد الله بن جحش أمير المؤمنين، وكان رسول الله كتب له كتابا، وأمره ألا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، ولما فتح الكتاب وجد فيه: "إذا نظرت في كتابي هذا، فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف فترصد بها قريشا، وتعلم لنا من أخبارهم"، فقال: سمعا وطاعة، وأخبر أصحابه بذلك، وبأنه لا يستكرههم، فمن أحب الشهادة فلينهض، ومن كره الموت فليرجع، وأما أنا فناهض.

فمضوا كلهم.

فلما كان في أثناء الطريق أضل سعد بن أبي وقاص وعتبة بن غزوان بعيرا لهما كانا يعتقبانه، فتخلفا في طلبه، وبعد عبد الله بن جحش حتى نزل بنخلة، فمرت به عير لقريش تحمل زبيبا وأدما وتجارة فيها عمرو بن الحضرمي، وعثمان ونوفل بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى بني المغيرة فتشاور المسلمون، وقالوا: نحن في آخر يوم من رجب الشهر الحرام، فإن قاتلناهم، انتهكنا الشهر الحرام، وإن تركناهم الليلة دخلوا الحرم، ثم أجمعوا على ملاقاتهم فرمى أحدهم عمرو بن الحضرمي فقتله، وأسروا عثمان والحكم، وأفلت نوفل، ثم قدموا بالعير والأسيرين، وقد عزلوا من ذلك الخمس، وهو أول خمس كان في الإسلام، وأول قتيل في الإسلام وأول أسيرين في الإسلام، وأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم ما فعلوه، واشتد تعنت قريش وإنكارهم ذلك، وزعموا أنهم قد وجدوا مقالا، فقالوا: قد أحل محمد الشهر الحرام، واشتد على المسلمين ذلك، حتى أنزل الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل} [البقرة: 217].


عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صلى نحو بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرا، وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها} [البقرة: 144]، فوجه نحو الكعبة، وصلى معه رجل العصر، ثم خرج فمر على قوم من الأنصار فقال: هو يشهد أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه قد وجه إلى الكعبة، فانحرفوا وهم ركوع في صلاة العصر.


في هذه السنة فرض صيام شهر رمضان، وقيل: إن فريضة صيام شهر رمضان كانت قبل غزوة بدر.


شرع الله سبحانه وتعالى زكاة الفطر, وهي واجبة على كل مسلم حر أو عبد، ذكر أو أنثى، صغير أو كبير من المسلمين قادر عليها.

والحكمة منها تطهير الصائم مما عسى أن يكون قد وقع فيه أثناء الصيام من لغو أو رفث، وإعانة للفقراء على إدخال السرور عليهم في يوم العيد.


كانت عصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد، زوجة يزيد بن زيد بن حصن الخطمي، تعيب الإسلام وتؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحرض عليه.

وكانت تطرح المحايض في مسجد بني خطمة؛ فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها، فنذر عمير بن عدي لئن رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر إلى المدينة ليقتلنها، وقد فعل رضي الله عنه وأرضاه.

فلما رجع عمير وجد بنيها في جماعة يدفنونها.

فقالوا: يا عمير، أنت قتلتها؟ قال: "نعم، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون، فوالذي نفسي بيده لو قلتم بأجمعكم ما قالت لضربتكم بسيفي هذا حتى أموت أو أقتلكم".

فيومئذ ظهر الإسلام في بني خطمة، وكان يستخفي بإسلامه فيهم من أسلم، فكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي، وهو الذي يدعى القارئ.


ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا من المسلمين لاعتراض قافلة قريش القادمة من الشام التي كان يرأسها أبو سفيان الذي علم بعد ذلك بخروج المسلمين، فأرسل إلى قريش يستنفرها لاستنقاذ تجارتهم كما غير طريقه لإنقاذ التجارة، ثم التقى المسلمون والمشركون عند ماء بدر، وهي مكان بين مكة والمدينة وهو أقرب إليها من مكة، وكان عدد المشركين يقارب الألف، وعدد المسلمين أكثر من ثلاثمائة، وبدأت المعركة بالمبارزة المشهورة، ثم بدأ القتال وكان شديدا، وقتل فيها صناديد قريش كأبي جهل، وأمية بن خلف، وغيرهما، حتى بلغ قتلاهم سبعون رجلا ومثلهم من الأسرى، وقتل أربعة عشر من المسلمين، وقيل: ستة عشر.

فكان النصر الكبير حليف المسلمين.

حيث نصرهم الله تعالى وأرسل ملائكة تقاتل معهم، أما الأسرى فأشار عمر بقتلهم، وأشار أبو بكر بفدائهم، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي أبي بكر، ولكن الوحي نزل موافقا لرأي عمر، أما الغنائم فنزلت فيها سورة الأنفال.


هي رقية بنت سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وهي زوج عثمان بن عفان رضي الله عنهما، وكانت رقية أولا عند عتبة بن أبي لهب، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبو لهب ابنه بطلاقها، فتزوجها عثمان وهاجر بها إلى الحبشة.

ولما ندب رسول الله الناس للخروج لاعتراض قافلة أبي سفيان أمر عثمان أن يبقى عند رقية يمرضها ويعتني بها، وكان هذا هو سبب تخلفه، وقد أسهم له النبي صلى الله عليه وسلم كما أسهم لمن حضر بدرا، ثم ما لبثت رقية في مرضها حتى توفيت رضي الله عنها.


كانت سرية سالم بن عمير رضي الله عنه إلى أبي عفك اليهودي في شوال على رأس عشرين شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو عفك من بني عمرو بن عوف شيخا كبيرا قد بلغ عشرين ومئة سنة، وكان يهوديا، عظيم الكفر، شديد الطعن على المسلمين، قد امتلأ قلبه بالحقد والحسد للمسلمين، وهو يرى التفاف الأوس والخزرج على نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وازداد كيده بالإسلام وأهله بعد أن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يزداد قوة وتمكينا في المدينة وما حولها بعد غزوة بدر، فلم يطق لذلك صبرا، فأخذ ينشد الشعر يهجو به رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحرض على عداوته، ويسفه رأي الأنصار لمتابعتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومناصرته.

فقال سالم بن عمير وهو أحد البكائين -أي: في غزوة تبوك- وممن شهد بدرا: "علي نذر أن أقتل أبا عفك أو أموت دونه"، فأمهل يطلب له غرة، حتى كانت ليلة صائفة، فنام أبو عفك بالفناء، وسمع به سالم بن عمير، فأقبل فوضع السيف على كبده، ثم اعتمد عليه حتى خش في الفراش، وصاح عدو الله، فثاب إليه ناس ممن هم على قوله، فأدخلوه منزله وقبروه.

وكان أبو عفك ممن نجم نفاقه حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث بن سويد بن الصامت، وشهد سالم بدرا، وأحدا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفي في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.


ذكر معظم أهل المغازي والسير أنها وقعت بعد بدر، ورجحه ابن حجر، وقد كانت يوم السبت للنصف من شوال.

وخبر إجلاء بني قينقاع ثابت في الصحيحين، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "حاربت النضير وقريظة، فأجلى بني النضير، وأقر قريظة ومن عليهم، حتى حاربت قريظة، فقتل رجالهم، وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين، إلا بعضهم لحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فآمنهم وأسلموا، وأجلى يهود المدينة كلهم: بني قينقاع -وهم رهط عبد الله بن سلام- ويهود بني حارثة، وكل يهود المدينة"


 بعد هزيمة المشركين في بدر، نذر أبو سفيان ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه وينتقم من المسلمين؛ فخرج في مائتي راكب من قريش، ليبر بيمينه، ووصل إلى أطراف المدينة ليلا، ولجأ إلى بني النضير، فأتى حيي بن أخطب، فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له بابه وخافه؛ فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم -وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك، وصاحب كنزهم- فاستأذن عليه؛ فأذن له، فضيفه وسقاه خمرا، وأخبره من أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج أبو سفيان في عقب ليلته حتى أتى أصحابه، فبعث رجالا من قريش، فأتوا ناحية من المدينة يقال لها: العريض -واد بالمدينة-، فأشعلوا النار في أشجار ونخيل المسلمين المثمرة، ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما، فقتلوهما، ثم ولوا مدبرين.

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج في أثرهم يطلبهم في مائتين من المهاجرين والأنصار، واستعمل على المدينة أبا لبابة بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه، فجعل أبو سفيان وأصحابه يلقون جرب -أوعية- السويق -قمح أو شعير يقلى ثم يطحن، فيتزود به، ملتوتا بماء أو سمن أو عسل-، وهي عامة أزوادهم، يتخففون منها للنجاء، حتى بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرقرة -القرقر: الأرض المستوية- الكدر -ماء لبني سليم، وأصل الكدر: طير في ألوانها كدرة، سمي الموضع أو الماء به-، ثم انصرف راجعا إلى المدينة، وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، وكانت غيبة الرسول -صلى الله عليه وسلم خمسة أيام، فقال المسلمون حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أتطمع لنا أن تكون غزوة؟ قال: "نعم".

وتسمى هذه الغزوة أيضا بـ"غزوة السويق"؛ لأن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فرجع المسلمون بسويق كثير.

وكان ذلك في شوال في السنة الثانية من الهجرة.


كان أبو سفيان حين رجع إلى مكة من بدر قد نذر أن لا يمس رأسه ماء من جنابة، حتى يغزو محمدا، فخرج في مائتي راكب من قريش لتبر يمينه فسلك النجدية حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له: نيب من المدينة على بريد أو نحوه، ثم خرج من الليل حتى أتى بني النضير تحت الليل فأتى حيي بن أخطب فضرب عليه بابه، فأبى أن يفتح له وخافه، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم، وكان سيد بني النضير في زمانه، فاستأذن عليه فأذن له، فقراه وسقاه، وبطن له من خبر الناس، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه فبعث رجالا من قريش فأتوا ناحية منها يقال لها: العريض فحرقوا في أصوار من نخل بها، ووجدوا رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما فقتلوهما وانصرفوا راجعين، فنذر بهم الناس، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم, فبلغ قرقرة الكدر، ثم انصرف راجعا وقد فاته أبو سفيان وأصحابه، ووجد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أزوادا كثيرة قد ألقاها المشركون يتخففون منها، وعامتها سويق، فسميت غزوة السويق.


كعب بن الأشرف رجل من طيء وأمه من يهود بني النضير.

كان شاعرا يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ويحرض عليهم ويؤذيهم، فلما كانت وقعة بدر كبت وذل وقال: بطن الأرض خير من ظهرها اليوم.

فخرج حتى قدم مكة فبكى قتلى قريش وحرضهم بالشعر، قال جابر بن عبد الله: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لكعب بن الأشرف؟ فإنه قد آذى الله ورسوله».

فقال محمد بن مسلمة: يا رسول الله، أتحب أن أقتله؟ قال: «نعم».

قال: ائذن لي فلأقل.

قال: «قل».

فأتاه فقال له، وذكر ما بينهما، وقال: إن هذا الرجل قد أراد صدقة وقد عنانا.

فلما سمعه قال: وأيضا والله لتملنه.

قال: إنا قد اتبعناه الآن، ونكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره.

قال: وقد أردت أن تسلفني سلفا.

قال: فما ترهنني؟ قال: ما تريد؟ قال: ترهنني نساءكم.

قال: أنت أجمل العرب، أنرهنك نساءنا! قال له: ترهنوني أولادكم.

قال: يسب ابن أحدنا، فيقال: رهن في وسقين من تمر، ولكن نرهنك اللأمة -يعني السلاح- قال: فنعم.

وواعده أن يأتيه بالحارث، وأبي عبس بن جبر، وعباد بن بشر، قال: فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم، قال سفيان: قال غير عمرو: قالت له امرأته: إني لأسمع صوتا كأنه صوت دم.

قال: إنما هذا محمد بن مسلمة، ورضيعه، وأبو نائلة، إن الكريم لو دعي إلى طعنة ليلا لأجاب.

قال محمد: إني إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه، فإذا استمكنت منه فدونكم.

قال: فلما نزل نزل وهو متوشح، فقالوا: نجد منك ريح الطيب.

قال: نعم تحتي فلانة هي أعطر نساء العرب.

قال: فتأذن لي أن أشم منه، قال: نعم فشم.

فتناول فشم، ثم قال: أتأذن لي أن أعود، قال: فاستمكن من رأسه، ثم قال: دونكم.

قال: فقتلوه".

(.
.
.
.
ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه)
.


وهي غزوة ذي أمر بناحية نجد.

وسببها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن جمعا من بني ثعلبة بن سعيد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان، وبني محارب بن خصفة بن قيس بذي أمر قد تجمعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجمعهم رجل منهم يقال له: دعثور بن الحارث بن محارب، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، وخرج في أربعمئة وخمسين، معهم عدة أفراس، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان، فأصابوا بالمدينة رجلا منهم بذي القصة يقال له: جبار من بني ثعلبة، فقال له المسلمون: أين تريد؟ فقال: أريد يثرب لأرتاد لنفسي وأنظر، فأدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره من خبرهم، قال: لن يلاقوك ولو سمعوا بسيرك هربوا في رؤوس الجبال وأنا سائر معك، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وأسلم، وضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بلال، فأخذ به جبار طريقا، وهبط به عليهم، وسمع القوم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهربوا في رؤوس الجبال، فبلغ ماء يقال له: ذو أمر، فعسكر به، وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مطر كثير، فابتلت ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثياب أصحابه؛ فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة ونشر ثيابه لتجف، واضطجع، وذلك بمرأى من المشركين، واشتغل المسلمون في شؤونهم.

فبعث المشركون رجلا شجاعا منهم يقال له: دعثور بن الحارث، وكان سيدها وأشجعها، ومعه سيف متقلد به، فبادر دعثور وأقبل مشتملا على السيف، حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسيف مشهورا، فقال: يا محمد، من يمنعك مني اليوم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله".

ودفع جبريل في صدره، فوقع السيف من يده؛ فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له: "من يمنعك مني؟!" فقال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليك جمعا أبدا، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه.
ثم أتى قومه فقالوا: ما لك؟ ويلك! فقال: نظرت إلى رجل طويل، فدفع في صدري، فوقعت لظهري، فعرفت أنه ملك، وشهدت بأن محمدا رسول الله، والله لا أكثر عليه جمعا.

وجعل يدعو قومه إلى الإسلام.

وأنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم} [المائدة 11].

وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق كيدا، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة، وقيل: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بنجد صفر كله.


غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد قريشا، واستعمل على المدينة عبد الله بن أم مكتوم رضي الله عنه، حتى بلغ بحران من ناحية الفرع.

وسببها: أنه بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن بها جمعا كثيرا من بني سليم بن منصور؛ فخرج في ثلاثمئة رجل من أصحابه، ولم يظهر وجها للسير؛ حتى إذا كان دون بحران بليلة لقي رجلا من بني سليم فأخبرهم أن القوم افترقوا فحبسه مع رجل، وسار حتى ورد بحران وليس به أحد، فأقام أياما ثم رجع ولم يلق كيدا وأرسل الرجل.

ثم انصرف راجعا إلى المدينة.


أصبح مشركو مكة بعد هزيمتهم في غزوة بدر، يبحثون عن طريق أخرى لتجارتهم للشام، فأشار بعضهم إلى طريق نجد العراق، وقد سلكوها بالفعل، وخرج منهم تجار، فيهم أبو سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، وحويطب بن عبد العزى، ومعهم فضة وبضائع كثيرة، بما قيمته مائة ألف درهم؛ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بواسطة سليط بن النعمان رضي الله عنه، فبعث زيد بن حارثة في مائة راكب لاعتراض القافلة، فلقيها زيد عند ماء يقال له: القردة، وهو ماء من مياه نجد، ففر رجالها مذعورين، وأصاب المسلمون العير وما عليها، وأسروا دليلها فرات بن حيان الذي أسلم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وعادوا إلى المدينة، فخمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزع الباقي بين أفراد السرية.