0
باب القناعة والعفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6] وقال الله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:273] وقال تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان:67] وقال تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذريات:57،56] . وَأَمَّا الأحاديث, فتقدم معظمها في البابينِ السابقينِ, ومما لَمْ يتقدم:
524وعن حَكيم بن حِزَام رضي اللَّه عنه قَالَ: سَأَلْتُ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَأَعطَاني، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني، ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَأَعطَاني، ثُمَّ قَالَ: "يَا حَكيمُ، إِنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ، فَمن أَخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفس بُوركَ لَهُ فِيه، وَمَن أَخَذَهُ بِإِشرَافِ نَفْسٍ لَم يُبَارَكْ لهُ فيهِ، وكَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ، واليدُ العُلَيا خَيرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى "قَالَ حَكيمٌ فقلتُ: يَا رسول اللَّه وَالَّذِي بَعثَكَ بالحَقِّ لاَ أَرْزَأُ أَحداً بَعدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنيَا، فَكَانَ أَبُو بكرٍ رضي اللَّه عنه يَدْعُو حَكيماً لِيُعطيَهُ العَطَاءَ، فَيَأْبَى أنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً. ثُمَّ إِنَّ عُمر رضي اللَّه عنه دَعَاهُ لِيُعطيهُ، فَأَبَى أَن يَقْبلَهُ. فقالَ: يَا مَعشَرَ المُسْلمينَ، أُشْهِدُكُم عَلى حَكيمٍ أَنِي أَعْرضُ عَلَيه حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللَّه لَهُ في هَذَا الْفيءِ، فيَأْبَى أَن يَأْخُذَهُ. فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمُ أَحداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حَتَّى تُوُفي. متفقٌ عَلَيْهِ.
"يرْزَأُ"براءٍ ثُمَّ زايٍ ثُمَّ همزةٍ، أيْ لَمْ يأْخُذْ مِن أَحدٍ شَيْئاً، وأَصلُ الرُّزْءِ: النُّقصَانُ، أَي لَم ينْقُصْ أَحَداً شَيئاً بالأَخذِ مِنْهُ. وَ"إِشْرَافُ النَّفسِ": تَطَلُّعُها وطَمعُهَا بالشَّيءِ. وَ"سَخَاوَةُ النَّفْسِ": هيَ عدمُ الإِشَرَاف إِلى الشَّيءِ، والطَّمَع فِيهِ، والمُبالاةِ بِهِ والشَّرهِ.
525 وعن أَبي بُردَةَ عن أَبي موسى الأشعَريِّ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم في غَزاةٍ، ونحْن سِتَّةُ نَفَرٍ بيْنَنَا بَعِير نَعْتَقِبهُ، فَنَقِبتْ أَقدامُنا، وَنَقِبَتْ قَدَمِي، وَسَقَطَتْ أَظْفاري، فَكُنَّا نَلُفُّ عَلى أَرْجُلِنا الخِرَقَ، فَسُميت غَزوَةَ ذَاتِ الرِّقاعِ لِما كُنَّا نَعْصِبُ عَلى أَرْجُلِنَا مِنَ الخِرَقَ، قالَ أَبو بُردَةَ: فَحَدَّثَ أَبو مُوسَى بِهَذا الحَدِيثِ، ثُمَّ كَرِهَ ذلكَ، وقالَ: مَا كنْتُ أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرهُ، قالَ: كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئاً مِنْ عَمَلِهِ أَفْشاهُ. متفقٌ عَلَيْهِ.
526وعن عمرو بن تَغْلِب بفتح التاءِ المثناةِ فوقَ وإِسكان الغين المعجمة وكسر الَّلام رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أُتِيَ بمالٍ أَوْ سَبْيٍ فَقسَّمهُ، فَأَعْطَى رِجَالاً، وتَرَكَ رِجالاً، فَبَلَغَهُ أَنَّ الَّذِينَ تَرَكَ عَتبُوا، فَحَمِدَ اللَّه، ثُمَّ أَثْنَى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَا بَعدُ، فَوَاللَّه إِنِّي لأُعْطِي الرَّجُلَ وَأَدَعُ الرَّجُلَ، والَّذِي أَدَعُ أَحَبُّ إليَّ مِنَ الَّذِي أُعْطِي، وَلكِنِّي إِنَّمَا أُعْطِي أَقوَاماً لِما أَرى في قُلُوبِهِمْ مِن الجَزعِ والهَلَعِ، وَأَكِلُ أَقْواماً إِلى مَا جعَلَ اللَّه في قُلُوبِهِمْ مِنَ الغِني والخَيْرِ، مِنْهُمْ عَمْروُ بنُ تَغلِبَ" قَالَ عمرُو بنُ تَغْلِبَ: فَواللَّهِ مَا أُحِبُّ أَن لِي بِكلِمةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم حُمْرَ النَّعَمِ. رواه البخاري.
"الهلَعُ": هُو أَشَدُّ الجَزَعِ، وقِيل: الضَّجرُ.
527وعن حَكيمِ بن حِزامٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قالَ: "اليدُ العُليا خَيْرُ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، وابْدَأ بمنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عنْ ظَهْرِ غِنى، ومَنْ يَسْتعْففْ يُعفُّهُ اللَّه، ومَنْ يَسْتغْن يُغْنِهِ اللَّه" متفقٌ عَلَيْهِ. وهذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم أَخصر.
529وعن أَبي عبدِ الرحمنِ عَوف بن مالِك الأَشْجَعِيِّ رضي اللَّه عنه قالَ: كُنَّا عِنْدَ رسُولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم تِسَعْةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَال: أَلاَ تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وكُنَّا حَدِيثي عَهْدٍ بِبيْعَةٍ، فَقُلْنا: قَدْ بايعْناكَ يَا رسُولَ اللَّهِ، ثمَّ قالَ: "ألا تُبَايِعُونَ رسولَ اللهِ؟ "فَبَسَطْنا أيْدينا وقلنا قد بايعناك يا رسول الله فَعَلاَم نَبَايِعُكَ؟ قَالَ:"عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّه وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، والصَّلَوَاتِ الخَمْس وَتِطيعُوا" وَأَسرَّ كلمَة خَفِيةً:" وَلاَ تَسْأَلُوا النَّاسِ شَيْئاً" فَلَقَدْ رَأَيتُ بَعْضَ أُولِئكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحدِهِمْ فَما يَسْأَلُ أَحَداً يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ رواه مسلم.