عنوان الفتوى : زوجته لا تصلي وتعصيه في كثير من الأمور فما حكمها ؟ وكيف يتصرف معها ؟
لي زوجة تعصيني كثيراً في الأمور : في تربية الأولاد ، والتعليم ، وفي علاقات الأقارب ، وفي كثير من جوانب الحياة الزوجية ، فماذا أفعل معها ؟ طلبت منها الصلاة وقراءة القرآن ، فلم تستجب ! وأرجو الدعاء لها بالهداية
الحمد لله
أولاً:
إن البيوت السعيدة هي تلك البيوت التي تُبنى على التفاهم ، وتقوم على الحب ، ويكتمل
بنيانها بالمودة والرحمة بين الزوجين ، ولا يتم شيء من هذا دون قيام الزوجين
بالواجبات المنوطة بهما ، ومن ذلك : وجوب نفقة الزوج على زوجته وأولاده ، ووجوب
طاعة الزوجة لزوجها ، وإذا أرادت الزوجة سلب حق القوامة من الزوج ، أو أرادت النشوز
والترفع عن طاعته : فإنها تهدم بيتها بيدها ، وتشرد أولادها بسوء فعالها .
فعلى الزوجات عموماً أن يعلمن أن طاعة أزواجهن واجب شرعي عليهنَّ ، وعلى الزوج أن
يُحسن استعمال قوامته على زوجته وأهل بيته ، بإرشادهم لما فيه صلاحهم وسعادتهم .
قالَ تعالى : ( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِم )
النساء/34
.
ولتتأمل الزوجات هذه الأحاديث :
1. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
: ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ
أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ) .
رواه الترمذي ( 1159 ) وحسَّنه ، وصححه
الألباني في " صحيح الترمذي " .
2. عن أَبَي أُمَامَةَ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثَةٌ لَا
تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمُ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ،
وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ
كَارِهُونَ ) . رواه الترمذي ( 360 )
وحسَّنه .
3. عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ : ( لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ
زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا
هُوَ عِنْدَكَ دَخِيلٌ يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَكِ إِلَيْنَا ) .
رواه الترمذي ( 1174 ) ، وصححه الألباني في " صحيح
الترمذي " .
4. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا
شَاهِدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) .
رواه البخاري ( 4899 ) ومسلم ( 1026 ) .
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -
معلِّقاً على هذا الحديث - :
فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها : فبالأولى أن يجب عليها
طاعته فيما هو أهم من ذلك ، مما فيه تربية أولادهما ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من
الحقوق والواجبات .
وقال الحافظ في " الفتح " : " وفي الحديث أن حق الزوج آكد على المرأة من التطوع
بالخير ؛ لأن حقه واجب ، والقيام بالواجب مقدم على القيام بالتطوع " .
" آداب الزفاف " ( ص 210 ) .
ثانياً:
على الزوج أن يبحث عن أسباب نشوز زوجته ، وبمعرفة الأسباب يمكنه علاج مرضها ،
والوصول بها إلى بر الأمان ، لتأمن من سخط الله وعذابه ، ومن هذه الأسباب : الزوج !
نعم ، فقد تكون أنت من أسباب نشوزها ، إما بسبب معاصٍ عندك ، كما قال بعض السلف : "
إني لأرى آثار معصيتي في دابتي وزوجتي " ، وذلك بسوء خلقها وترفعها عن طاعته ، أو
يكون الزوج سيء الأخلاق مع زوجته ، فتكون تصرفاتها ردة فعل لأخلاقه معها .
ومن هذه الأسباب : أهلها أو أقرباؤها أو جيرانها أو صديقاتها ، ممن يساهمون مع
إبليس في حملته للإيقاع بين الزوجين والتفريق بينهما .
وإن كان السبب منها نفسها – لضعف إيمانها ، وجهلها بأحكام الشرع - : فليذكرها بالله
تعالى ، وليساهم في تقوية إيمانها ، وليعلمها ما تجهله من حقوق الزوج عليها ، فإن
لم ينفع : فليضربها ضرباً غير مبرِّح ، فإن لم ينفع معها : فليهجرها في الفراش .
فإن استنفد جهده ولم تستجب لداعي الخير منه أو من غيره : فالسبيل أن يطلقها طلقة
واحدة ؛ فقد يكون في هذه الطلقة ما يذكرها وينبهها ، فإن استمرت على غيها وعصيانها
: فلا خير فيها ، ولعل الله أن يبدله خيراً منها .
وأصل هذا التدرج في الإصلاح : هو قوله تعالى : ( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ
فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ
أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً
كَبِيراً ) النساء/34
.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - :
( وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ) أي : ارتفاعهن عن طاعة أزواجهن بأن تعصيه
بالقول أو الفعل فإنه يؤدبها بالأسهل فالأسهل .
( فَعِظُوهُنَّ ) أي : ببيان حكم الله في طاعة الزوج ومعصيته والترغيب في الطاعة ،
والترهيب من معصيته ، فإن انتهت فذلك المطلوب ، وإلا فيهجرها الزوج في المضجع ، بأن
لا يضاجعها ، ولا يجامعها بمقدار ما يحصل به المقصود ، وإلا ضربها ضربًا غير مبرح ،
فإن حصل المقصود بواحد من هذه الأمور وأطعنكم :
( فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ) أي : فقد حصل لكم ما تحبون فاتركوا
معاتبتها على الأمور الماضية ، والتنقيب عن العيوب التي يضر ذكرها ويحدث بسببه الشر
.
" تفسير السعدي " ( ص 142 ) .
وعلى كل حال : فالزوج أدرى الناس
بزوجته ، فإن كان يعلم من أسباب نشوزها ما يمكنه أن يعالجه : فليفعل ، فإن لم ينفع
بها : فليجعل غيره من أهله أو أهلها من يقوم بهذه المهمة ، فقد يكون أثر غيره عليها
أقوى من أثره .
ثالثاً:
وكلامنا السابق يعم كل زوج يعاني من نشوز زوجته ، ويدخل فيه الزوجة المسئول عن
حالها ، لكن بعد أن تكون من المصليات ، أما وهي لا تصلي : فلا ينطبق ما ذكرناه
عليها ؛ لأن الكلام معها سيكون له وضع مختلف ؛ لأن بتركها للصلاة تكون من الكافرات
، ولا يحل له قربانها ، ولا جماعها ، إلا أن تصلي .
قال تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) التوبة/من
الآية 11.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ
وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ ) .
رواه مسلم ( 116 ) .
وقال : ( إِنَّ الْعَهْدَ الَّذِي
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) .
رواه الترمذي ( 2621 ) وصححه ، والنسائي (
463 ) وابن ماجه ( 1079 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
لذا فيجب عليك أخي السائل أن تبدأ
بهذا الأمر المهم ، وأن تحاول بما يتيسر لك من طرق أن تذكرها بحكم الصلاة ، وأن
تركها كفر أكبر ، وأن عقدك عليها سيكون مفسوخاً لو استمرت على هذه المعصية العظيمة
، فإن استجابت : فالحمد لله ، واسلك معها ما ذكرناه لك آنفاً ، وإن لم تستجب : فلا
تسع في علاج نشوزها ، ولا تسأل عن تقصيرها في تربية أولادك ؛ لأنه لا يحل لك البقاء
معها على عقد الزوجية ، وحذِّرها قبل فسخ نكاحها – وقد يكون الفسخ بتطليقك لها ؛
لأن أكثر المحاكم لا يعتبر ترك الصلاة موجباً لفسخ النكاح ! – وأعطها فرصة أخيرة ؛
فلعل الله أن يهديها ويشرح صدرها للحق .
وانظر جواب السؤال رقم (
47425 ) ففيه
بيان الطريقة المثلى لدعوة تارك الصلاة .
وانظر جوابي السؤالين : (
12828 ) و (
91963 ) .
ونسأل الله أن يهديها ويوفقها لإقامة الصلاة ، وأن يهدي قلبها لكل خير ، وأن يسدد
سمعها وبصرها وجوارحها ، وأن يرزقها شكر نعمه تعالى عليها .
والله أعلم