عنوان الفتوى : مبتلى بحب التشبه بالنساء
رجل ملتزم يحافظ على النوافل ، ويتقي الله قدر الاستطاعة ، مريض منذ صغره بحب تفريغ الشهوة في تشبهه بالنساء ولبس أشيائهن ، فهل عليه إثم ؟ ومع الالتزام امتنع فعليّاً عن هذا الداء ، ولكن بقيت أفكار الذل للنساء والتشبه بهن مع إمكانية خروج مني أو مذي . فهل عليه إثم ؟ وهل التمادي في الأفكار فقط دون إنزال عليه إثم ؟ وإن كان الحل في الزواج فهل يخبر زوجته ؟ أو يستطيع أن يمارس معها التشبه إن وافقت ؟ أرجو الإجابة بالتفصيل فكم تاب والله من هذا الداء ولكن غلبته نفسه ، فما زال يصرف غالب شهوته فيه ؟ أفيدونا فأنا والله أخشى على ديني ؟
الحمد لله
جاءت شريعتنا بتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال ، بل وجاء التغليظ
في النهي عن ذلك حتى لعن النبي صلى الله عليه وسلم أولئك المخالفين للفطرة التي
خلقهم الله تعالى عليها .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَعَنَ الْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ، وَالْمُتَرَجِّلَاتِ مِنْ
النِّسَاءِ ، وَقَالَ : أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ ) .
رواه البخاري ( 5885 )
.
ولا شك أن من أبين مظاهر تخنث الرجل لبسه ما تلبس النساء ، وتقليده لهن في عاداتهن
.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ ،
وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ )
رواه أبو داود ( 4098 ) وصححه النووي في " المجموع
" ( 4 / 469 ) ، والألباني في " صحيح أبي داود "
.
وقالت ِعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ )
رواه أبو داود ( 4099 ) وحسَّنه النووي في "
المجموع " ( 4 / 469 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال المناوي رحمه الله :
"فيه كما قال النووي : حرمة تشبه الرجال بالنساء وعكسه ؛ لأنه إذا حرم في اللباس
ففي الحركات والسكنات والتصنع بالأعضاء والأصوات أولى بالذم والقبح ، فيحرم على
الرجال التشبه بالنساء وعكسه في لباس اختص به المشبه ، بل يفسق فاعله للوعيد عليه
باللعن" انتهى .
" فيض القدير " ( 5 / 343 )
.
إذا تقرر هذا علمنا أن حكم الشريعة في هذا النوع من " الشذوذ " الجنسي هو التحريم ،
بل هو من كبائر الذنوب ، فلا يجوز ممارسته لا مع نفسه ولا مع زوجته ؛ فإن مخالفة
الفطرة التي خلق الله الناس عليها لا تأتي إلا بالويل والفساد ، والله سبحانه خلق
الرجل بصفات الرجولة التي لا تحتمل لباس النساء ولا تحتمل التشبه بتصرفاتهن .
ولا شك أن من يتطلب التخنث بل ويستمتع به ويراه محققا لشهوته هو من المرضى الذين
يصنف الأطباء مرضهم ضمن الشذوذ ، ويسمونه شذوذ " الفيتشية " أو " الأثرية " ، ولهم
برامج عملية وسلوكية في علاج مثل هذه الحالات التي تعرض عليهم ، فينبغي على كل
مبتلى بمثل هذا السلوك ألا يتردد في مراجعة الطبيب النفسي كي يشرف عليه في علاجه من
مرضه ذلك .
ونحن لا نملك إلا أن نُذكِّرَه بالله سبحانه وتعالى ، وأن نجعل الوازع الديني
عاملاً إيجابيّاً مؤثراً في تخلصه من ذلك الوسواس السيء ، وليتذكر غضب الله ومقته
للرجال المخنثين ، وأنه سبحانه مُطَّلع على أحوالهم ، وأن الدنيا أيام معدودة ما
أسرع ما تنقضي لذاتها ويبقى للمرء عمله وسعيه في الآخرة .
ونذكره بالاستعانة بالله سبحانه وتعالى ، فهو خير معين ومسؤول ، وإذا صدق العبد في
دعائه والاستعانة به والالتجاء إليه صَدَقَه الله بإجابة دعائه وإزالة شكواه ، ولكن
مِن صِدقِ الدعاء الصدقُ في الأخذ بالأسباب ، والحرصُ والمجاهدةُ والمصابرةُ حتى
يتوصل إلى الشفاء التام ، ويتخلص من هذه الممارسات السيئة المحرمة ، وله في
المجاهدة والمصابرة أجر عند الله سبحانه وتعالى .
وأفضل ما يساعد على التخلص من تلك الميول هو الزواج ؛ فهو يفتح المجال للإشباع
الجنسي السليم والحلال ، وفي انتظار ذلك ليشغل نفسه عن الشهوات بملء الوقت
بالعبادات والعادات المفيدة النافعة ، وليحرص على الصوم ، فإنه مفيد في تقوية
التحكم بالإرادة ، وقد قال فيه صلى الله عليه وسلم : ( وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ )
رواه البخاري ( 1905 ) ومسلم ( 1400 )
.
ومن أهم ما يعينه : مراعاة حدود الله ، بلجم البصر عن الانطلاق في عورات الناس ،
ولجم النفس عن تمني شهواتهم ، فإن إطلاق النظر في الحرام أساس كل بلية ، وهو الذي
يجر على الإنسان تلك العادات السيئة الشاذة التي يراها في بعض الشاذين .
قال ابن القيم رحمه الله :
"فإن النظرة تولد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد
الشهوة إرادة ، ثم تقوى فتصبر عزيمة جازمة فيقع الفعل ولا بد ما لم يمنع منه مانع ،
وفى هذا قيل : الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده" انتهى .
" الجواب الكافي " ( ص 106 )
.
وليعلم أن التفكير في هذا النوع من الشذوذ لا بد وأن يجر إلى ممارسته ، فلا بد أن
يصرف نفسه عن ذلك التفكير ، وينشغل بتحقيق اللذة المباحة السليمة مع الزوجة ، ولا
يحاول أن يعلق تحقيقها على تلك الممارسات السيئة ، فذلك من وسواس الشيطان ، ولا شك
أن أكمل اللذات هي التي تتحقق بما يوافق الفطرة التي خلق الله الناس عليها .
ونسأل الله تعالى أن يهديك سواء السبيل .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |