عنوان الفتوى : حكم إضراب السجين عن الطعام لتحقيق أهدافه
ما الحكم الشرعي فيما يقوم به المعتقلون السياسيون في سجون الصهاينة من الإضراب عن الطعام وذلك لنيل بعض المطالب والتي قد تكون خاصة بتحسين الأوضاع في تلك السجون....مع العلم أن هذا الإضراب قد يستمر طويلا ويؤدي إلى وفاة بعضهم بسسبب هذا الإضراب؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد أمر الشارع العباد بالمحافظة على الصحة، وأباح لهم الطيبات من الرزق ليحافظوا عليها، ويتقووا بذلك على طاعته وطلب مرضاته، ونهاهم عن الوصال في الصيام لئلا يضعفوا أو يتضرروا، ونعى على أقوام أنهم امتنعوا عن بعض ما أحل الله تزهداً وتنسكاً، وحرم كل ما يلحق الضرر بالبدن من مطعم ومشرب، وتوعد من تسبب في قتل نفسه أشد وعيد قال الله تعالى: ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً* ومن يفعل ذلك عدواناً وظلماً فسوف نصليه ناراً …) [ 29-30]
قال القرطبي: أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي أن يقتل بعض الناس بعضاً ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال بأن يحمل نفسه على الغرر المؤدي إلى التلف، ويحتمل أن يقال (ولا تقتلوا أنفسكم) في حال ضجر أو غضب؛ فهذا كله تناوله النهي.اهـ
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً" .
وفيهما أيضاً عن جندب بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات. قال الله تعالى: (بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة).
ولعله من الواضح أن يستنتج المرء من هذه الأدلة - وغيرها كثير- أن الإضراب عن الطعام الذي يلحق بصاحبه الضرر أو يوصله إلى الهلاك لا يجوز إطلاقاً مهما كان الدافع إليه، أما إذا كان الإضراب عن الطعام لا يلحق ضرراً بالمضرِب، وتعين وسيلة لبلوغ أهداف مشروعة لا سبيل لتحقيقها إلا به، ففي هذه الحالة أفتى بعض أهل العلم بجوازه. وله الاستمرار فيه حتى يحقق هدفه ما لم يحس بالضرر، فإن أحس به وجب عليه أن يتناول ما يدفع عنه الضرر، فإن استمر حتى مات فهو قاتل نفسه والعياذ بالله ، والنصوص المتقدمة تنطبق عليه.
ثم ليعلم أن السجن - من حيث هو - قد يكون بحق شرعي، وقد يكون بغير حق شرعي وإنما هو ظلم وعدوان - كالحالة المسئول عنها- :
ففي الحالة الأولى: يجب على السجين أن يتوب إلى الله تعالى توبة نصوحاً، ويرد المظالم إلى أهلها إن كانت ثمة مظالم للناس عليه. وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بما كسبت يده، كما قال تعالى: ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير ) [الشورى:30].
أما في الحالة الثانية: فعلى السجين أن يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله تعالى وقدره وله في الصالحين من الأنبياء والمرسلين والدعاة أسوة حسنة. فإن في ذلك ابتلاء وتكفير للسيئات ورفعاً للدرجات ثم عليه أن يلتجئ إلى الله تعالى في فك أسره وتخليصه من يد ظالمه. فهو سبحانه وتعالى مجيب دعوة المضطر، وهو على كل شيء قدير .
والله أعلم.