عنوان الفتوى : موقف شيخ الإسلام من علي بن أبي طالب
استفسارنا بارك الله فيكم هو عن كتاب منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو بالنسبة لما قيل عنه مؤخرا بأن كاتبه يكره سيدنا عليا رضي الله عنه و أنه ينصب العداء له بأسلوب مبطن، و بعد مطالعتنا للنصوص التي يتهم بها ابن تيمية رحمه الله وتمحيصها وغربلتها تبين لنا أن القضية فعلا موجودة ولو بشكل من الدبلوماسية العلمية ولكن في نفس الوقت لا نستطيع الجزم في هذا الموضوع فرأينا أن نأخذ برأيكم المبارك.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فلم يزل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – منذ أن جهر بدعوة الحق يتلقى التهم والافتراءات التي يلفقها عليه خصومه في حياته وبعد مماته.
وهذه التهم والافتراءات يوصي بها سلف المبتدعة إلى خلفهم، ويوحون بها إلى أوليائهم، لتكون سلاحاً بيدهم أمام دعوة الشيخ التي عشت بنورها أبصارهم الكليلة.
فهم قد اتهموا الشيخ - رحمه الله - بتهم كثيرة تفوق الحصر، منها ما هو مكذوب من أصله، ومنها ما هو مساء فهمه .
فقيل في الشيخ – مثلاً – بأنه يقول بقدم العالم، وأنه مجسم، وأنه مشبه، وأنه يبغض الرسول صلى الله عليه وسلم ويمنع من زيارته، وأنه يفتي بمسائل شنيعة لم يقل بها أحد قبله، وأنه، وأنه ... ومن هؤلاء مـن احترق غيظاً مـن كتاب شيخ الإسلام : " منهاج السنة النبوية"؛ حيث بين في هذا الكتاب افتراءات المخالفين لأهل السنة، وفضح كيدهم وذب عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن أشد الناس حبًا لعلي رضي الله عنه وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ هم أهل السنة والجماعة.
وإن المتتبع لكتب شيخ الإسلام ابن تيمية يجد أنه رحمه الله تعالى كان يدافع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن صحابته الكرام وآل بيته الأطهار، ومن ذلك ما جاء في إجابته لأسئلة مقدم المغل (وزير المغول) ـ كما في مجموع فتاويه ـ ((قال : فما تحبون أهل البيت ؟ قلت: محبتهم عندنا فرض واجب، يؤجر عليه، فإنه قد ثبت عندنا في صحيح مسلم عن زيد بن أرقم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغدير يدعي خماً، بين مكة والمدينة فقال "أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله " فذكر كتاب الله وحض عليه، ثم قال: " وعترتي أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهــل بـيـتـي " قـلـت لـمـقدم: ونحن نقول في صلاتنا كل يوم : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد".
قال مقدم: فمن يبغض أهل البيت ؟ قلت : من أبغضهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً.اهـ.
وقال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: فضل علي وولايته لله وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد، ومن طرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني، لا يحتاج معها إلى كذب ولا إلى ما لا يعلم صدقه.اهـ. وقال فيه أيضًا: وأما كون علي وغيره مولى كل مؤمن، فهو وصف ثابت لعلي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وبعد ممات علي، فعلي اليوم مولى كل مؤمن، وليس اليوم متولياً على الناس ، وكذلك سائر المؤمنين بعضهم أولياء بعض أحياء وأمواتاً.اهـ.
وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله ـ كما في مجموع فتاويه ـ عن رجل قال عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – إنه ليس من أهل البيت ، ولا تجوز الصلاة عليه، والصلاة عليه بدعة ؟
فأجاب: أما كون علي بن أبي طالب من أهل البيت فهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين، وهو أظهر عند المسلمين من أن يحتاج إلى دليل، بل هو أفضل أهل البيت، وأفضل بني هاشم بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد ثبت عن النبي أنه أدار كساءه على علي، وفاطمة، وحسن، وحسين ، فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنه الرجس وطهرهم تطهيراً.
وأما الصلاة عليه منفرداً فهذا ينبني على أنه هل يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ؟ مثل أن يقول : اللهم صل على عمر أو علي. وقد تنازع العلماء في ذلك.
فذهب مالك، والشافعي، وطائفة من الحنابلة: إلى أنه لا يصلى على غير النبي صلى الله عليه وسلم منفرداً ، كما روي عن ابن عباس أنه قال: لا أعلم الصلاة تنبغي على أحد إلا على النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الإمام أحمد وأكثر أصحابه إلى أنه لا بأس بذلك، لأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال لعمر بن الخطاب: صلى الله عليك. وهذا القول أصح وأولى .
ولكن إفراد واحد من الصحابة والقرابة كعلي أو غيره بالصلاة عليه دون غيره مضاهاة للنبي صلى الله عليه وسلم ، بحيث يجعل ذلك شعاراً معروفاً باسمه: هذا هو البدعة. اهـ. إلى غير ذلك من المواضع التي يذم فيها شيخ الإسلام النواصب ويمدح فيها عليًا وآل البيت الأطهار، وقد أفرد شيخ الإسلام رحمه الله رسالة في حقوق أهل بيت رسول الله، بعنوان: " حقوق آل البيت بين السنة والبدعة"، وهذه الرسالة موجودة على الإنترنت في صورة كتاب إلكتروني، فارجع إليها.
ولمزيد بيان حول حقيقة موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من علي بن أبي طالب وسائر آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم راجع كتابًا بعنوان: "ابن تيمية لم يكن ناصبيًا" لسليمان بن صالح الخراشي. فقد نقل فيه مقاطع من كلام شيخ الإسلام تدحض فرية بغضه لعلي وانتقاصه لآل البيت، وتخرس مروجها – ولله الحمد. وهو أيضا مطبوع في صورة كتاب إلكتروني، وتجده على الإنترنت.
ولذلك فإن أغلب الظن أنك لم تقرأ الكتاب ولم تغربل نصوصه كما زعمت، وإنما أنت ناقل لكلام غيرك، ولكن نذكرك بقول الله تعالى: سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ {الزخرف: 19} فاتق الله فيما تنسبه للعلماء، فإنهم أولياء الله، ومن عاداهم فقد آذنه الله بالحرب، والله يدافع عنهم، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا وانظر كتاب (حرمة أهل العلم) للشيخ محمد إسماعيل المقدم.
والذي ننصحك به أن تطلب العلم النافع على أعلامه، وأن تستفيد من أشرطة العلماء الموثوقين مثل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، وغيره من العلماء ممن يسلك سبيل السلف من أهل السنة والجماعة.
وانظر برنامجا مختصرًا للمبتدئين في طلب العلم في الفتوى رقم: 56544
وننصحك بأن لا تصغي للشائعات والشبهات، وأن تحذر من مجالسة أهل البدع وآكلي لحوم العلماء، فإن صحبتهم مردية ولا خير فيها.
والله أعلم.