عنوان الفتوى : تعاني من الوحدة والضيق بعد الطلاق وتبحث عن الحل

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

أنا مطلقة منذ خمس سنوات لدي طفلان ، أحدهما تسع سنوات والآخر عشر سنوات . الحمد لله واجباتي تجاههم أؤديها على أكمل وجه . أنا إنسانة متدينة أواظب على الصلاة والأذكار والدعاء وأعمل في هذه الحياة من أجل أطفالي . دائما يراودني شعور قاس جدا وهو شعوري بالوحدة القاتلة ، إضافة إلى ذلك الضيق والهم في داخلي ، مع أنني إنسانة تحب الحياة بما يحب الله ويرضي ، أحس بحاجتي الماسة للزواج لأنني بدأت أضجر وغضبي يزداد على كل شئ في حياتي حتى أتفه الأشياء . أحس وكأنني بعالم مغلق ، أنا فيه وحدي فقط والكآبة ، مع العلم أنه من يراني سواء في عملي أو أثناء الزيارات يقول لي : يظهر على وجهك الاكتئاب . فضلا عن ذلك حاجتي بالشعور بأنني أحيا الحياة ولست مركونة في زاوية من زواياها القاتمة ، ولا أريد أن يسيطر علي هذا الشعور ، لأنه بدأ يؤثر علي بشكل مباشر في العمل ، وعلاقاتي بالأهل والأقارب والأصدقاء ، دائمة السكوت والصمت ، دائمة الانعزال عن الناس كي لا يروني ووشاح الكآبة يخيم على وجهي . لست قادرة على رسم البسمة على شفاهي وأعتبره شيئا صعبا بالنسبة لي ، فأنا في دوامة لا نهاية لها : الطلاق والأولاد وحاجتي لزوج واستقرار . يراودني شعور بعدم رغبتي بالحياة ، أنا أعلم أنه شئ خاطئ ، لكن تركيبة الإنسان من شعور وعقل ، وأنا امرأة ، لا أعلم إن كان يحق لي الكلام بهذا الموضوع أم لا يحق لي ؟ الحياة أتعبتني جدا ، أسير في أي مكان ، وأجلس بمجالس الأهل والأقارب والأصدقاء ولا يزال تفكيري بهذا الموضوع دائما ... أريد أن أمارس حياتي بشكل طبيعي . لا أعلم ماذا أفعل ؟.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله

نسأل الله تعالى أن يمن عليك بالاستقرار والاطمئنان ، وأن يذهب عنك ما تجدين من الضيق والهم ، وأن ييسر لك أسباب الخير والفلاح .

وما ذكرتيه من المتاعب والآلام ، لا نقول إنه يلحق كل من تمر بمثل ظروفك ، ولكن على الأقل هناك قدر من المتاعب يصيب المرأة حين تفقد الزوج ، وتضطلع هي بأعباء الحياة . ثم تتفاوت النساء في القدرة على التحمل ، وفي محاولتهن للتغلب على ذلك ، فهناك عدد من المطلقات استطعن التغلب على هذه المشاكل ، وعشن حياتهن في سعادة واطمئنان ، وهذا راجع لأسباب ومقومات ، هي الحل بالنسبة لك إن شاء الله ، وهذه بعضها ، لتتأمليها جيدا ، وتسعين في تطبيقها ، لتعود لك السعادة التي تنشدينها :

1- توثيق الصلة بالله تعالى ، ومن ذلك الإيمان بأن هذه المشكلة وغيرها واقعة بقضاء الله تعالى وقدره ، وأن الله تعالى أرحم بك من الوالدة بولدها ، وأن قضاءه خير لعبده ، في العاجل والآجل ، فالمصائب تكفر السيئات ، والصبر عليها يرفع الدرجات ، والله إذا أحب عبدا ابتلاه .

2- أنك بين أمرين : أن تعيشي حزينة مهمومة متألمة ، أو تصبري وتحتسبي ، لتنالي الأجر والرفعة . وحزنك لا يقدم ولا يؤخر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا ، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ ) رواه الترمذي (2396) وابن ماجه (4031) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

3- التأمل في نعم الله تعالى ، والسعي في شكرها ، ومقارنة هذه النعم الكثيرة بالمصيبة الحاصلة . وهذا يفتح على القلب باباً إلى الرضا . فتأملي كم لله عليك من نعمة ، في دينك ، ونفسك ، وصحتك ، ومالك ، وأولادك . وتأملي ما يصيب غيرك من المصائب ، فكم من امرأة مقعدة ، وأخرى مصابة في أبنائها ، وثالثة مبتلاة في دينها ، ورابعة تئن من المرض ، وخامسة وسادسة . وإذا تأملت هذا وجدت نفسك في نعم تحسدين عليها ، ووجدت في الناس من هو أعظم مصابا منك وألماً . وهذا يهون عليك ، ويدعوك للحمد والشكر والاعتراف بفضل الله ورحمته .

4- التأمل في المصيبة النازلة بك ، ورؤية ما يحفها من النعم ، فكم من امرأة متزوجة ، تعاني من مضايقة الزوج وأذاه ، وتسلطه وقسوته ، ونكد الحياة معه ، وأنت قد سلمت من ذلك كله ، فاحمدي الله .

5- شغل الوقت بالنافع من أمور الدنيا والآخرة . ومن ذلك : الالتحاق بأحد مراكز تحفيظ القرآن الكريم ، وحضور المحاضرات الدينية ، وقراءة الكتب النافعة ، وتعلم شئ من الأشغال المنزلية كالخياطة ونحوها .

6- الاهتمام بالقضية الكبرى ، والغاية العظمى ، وهي نيل مرضاة الله تعالى والفوز بجنته ، والنجاة من ناره . وهذا يتطلب التشمير والجد والاجتهاد ، وعليه يكون الفوز الحقيقي ، والسعادة الحقيقية في الحياة الدائمة . قال سبحانه : ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) آل عمران/185 .

7- اليقين والثقة بأن ما عند الله خير لك ، وأنه أرحم الراحمين ، وأنه مع المتقين ، ويحب المحسنين ، ويجزي الصابرين ، ويسعد المؤمنين ، كما قال : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97 .

والحذر من شكايته سبحانه إلى خلقه ، فهي شكاية الذي يرحم ، للمخلوق الذي لا يرحم .

قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ ) رواه الترمذي (2326) وأبو داود (1645) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .

8- أكثري من هذا الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ، وَابْنُ عَبْدِكَ ، وَابْنُ أَمَتِكَ ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي ، وَنُورَ صَدْرِي ، وَجِلاءَ حُزْنِي ، وَذَهَابَ هَمِّي ، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا . قَالَ : فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى ، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (199) .

نسأل الله أن يفرج همك ويبدلك مكانه فرجا .

والله أعلم .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...