عنوان الفتوى : الذنوب والمعاصي من أسباب زوال النعم

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا مخطوبة وأحب خطيبي جداً جداً وهو يحبني ومتفقون على أن يبقى هدفنا بعد الزواج حب الله ورسوله وطاعتهما، ولكني غير ملتزمة كما ينبغي، وسمعت أن الله تعالى قد يحرم العبد من بعض ما يتمناه من أجل عدم فعله ما يستحق به هذا الشيء فهل خوفي من أن يحرمني الله من خطيبي فيه خطأ، وإذا أدى بي خوفي هذا إلى زيادة الاقتراب من الله وترك ما يغضبه يكون عملي صوابا ومقبولا عند الله أم لا بد أن يكون ذلك خالصاً لوجه فقط دون أسباب أخرى مما ذكرت، مع أنني بعد الزواج لن أبعد عن الله بل سيزيد قربي من الله لأن هذا ما اتفقت عليه من البداية مع خطيبي أن يعين بعضنا بعضا على الطاعة؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن من دواعي طاعة الله والتمسك بشرعه وأداء ما أوجبه والانتهاء عما حرمه هو الرغبة فيما أعده للمحسنين والرهبة مما توعد به المسيئين المقصرين، قال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ {الزمر:9}.

ولذلك، فإن خوفك من أن تُحرمي من إتمام الزواج بهذا الرجل الديِّن الصالح بسبب المعصية خوف في محله، لأن الذنوب والمعاصي من أسباب زوال النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل وتقطع الواصل، وقد جعل الله سبحانه لكل شيء سبباً وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها: طاعته، وآفتها المانعة منها: معصيته، قال تعالى: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ {الشورى:30}، وقال أيضاً: ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ {الأنفال:53}.

فأخبر سبحانه أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي تغير ما بنفسه، فيغير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، فإذا غيَّر غُيِّر عليه، جزاءً وفاقاً، وما ربك بظلام للعبيد.

ولقد أحسن القائل:

إذا كنت في نعمة فارعها   * فإن المعاصي تزيل النعم

وحُطْها بطاعة رب العباد   * فرب العباد سريع النـقم

وقد يبتليك الله بسبب إقامتك على معصيته ببغض خاطبك لك، وانصرافه عنك إلى غيرك، وعلى هذا، فإنا ننصحك بالتوبة إلى الله مما أنت مقيمة عليه من المعاصي والذنوب، والاستعانة على التمسك بالدين والاستجابة لما أمر والكف عما نهى عنه وزجر، وإن ما ذكرتِه من أنك لا تزيدين على الصلاة والصوم فإنه لا يكفي، فما أوجبه الله على بني آدم أكثر من ذلك، ومنه: الحجاب الشرعي، وغض البصر عن الحرام، وكف السمع عن المحرمات ونحو ذلك.

وباب التوبة مفتوح، والله يفرح بتوبة عبده ويبدل سيئاته الماضية إلى حسنات، فلا تؤخري التوبة، فإن الموت يأتي فجأة، وعندها لا ينفع الندم.

هذا، وننبهك هنا إلى أشياء:

أولاً: لا يدفعك حبك لخطيبك إلى نسيان أنه بشر، فإذا بدر منه من الأخطاء ما لم تكوني تتوقعين فلا تصدمي فيه فتسقطينه نهائياً، وهذه عاقبة الغلو في الحب.

ثانياً: ينبغي أن يكون حرص العبد على إصلاح ما بينه وبين الله وإشفاقه وخوفه من فساد العلاقة معه أعظم من حرصه على العلاقة مع الناس، قال بعض الشعراء:

فليتك تحلو والحياة مريرة   * وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر   * وبيني وبين العالمين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين   * وكل الذي فوق التراب تراب

ثالثاً: هناك حدود للعلاقة بين الخاطب والمخطوبة، انظريها في الفتويين:1847، 8156.

والله أعلم.