عنوان الفتوى : ما أهمية حفظ أسانيد الأحاديث؟
هل من الضروري حفظ الأسانيد حسب ترتيب أحاديثها أم يكفي حفظ أسماء الرواة؟ ما الفائدة من حفظ الأسانيد كما هي؟
الحمد لله.
من المعلوم أهمية الأسانيد لمعرفة وتمييز صحيح الأخبار من ضعيفها ومكذوبها.
قال الحاكم رحمه الله تعالى:
" فلولا الإسناد، وطلب هذه الطائفة له، وكثرة مواظبتهم على حفظه: لدرسَ منارُ الإسلام، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فيه بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد، فإن الأخبار إذا تعرَّت عن وجود الأسانيد فيها: كانت بُتْرًا " انتهى. "معرفة علوم الحديث" (ص 115).
وقال القاضي عياض رحمه الله تعالى:
" فاعلم أولا أن مدار الحديث على الإسناد؛ فبه تتبيّن صحته، ويظهر اتصاله " انتهى. "الإلماع" (ص267).
ومن هذا يتبيّن أن معرفة الأسانيد التي وردت بها متون السنة ودراستها ليست ضرورية لكل أحد، وإنما تُطْلبُ لمن له هِمة في معرفة علم الحديث والتخصص فيه، لاكتساب القدرة على تمييز الأحاديث والأخبار من حيث الصحة والضعف، فمثل هذا لا بد له من الاعتناء بمعرفة الأسانيد، إما بحفظها، أو بملازمة المطالعة للمصنفات الحديثية المسندة، وكثرة ومتابعة البحث في رواة أسانيد متونها، حتى يكتسب ملكة ومعرفة بعلم الرواة، فالجاهل بعلم الرواة وما فيه من فنون، لا يمكن أن يكون عالما في علم الحديث، مهما حفظ من متون.
قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى:
" كان الرجل لا يسمى عالما حتى يكون عارفا بأحوال رجال الحديث؛ ففي "تدريب الراوي": "قال الرافعي وغيره: إذا أُوصيَ للعلماء، لم يدخل الذين يسمعون الحديث ولا عِلْم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة …
وقال الزركشي: أما الفقهاء؛ فاسم المحدِّث عندهم لا يُطلق إلا على من حفظ متن الحديث، وعَلِم عدالة رواته وجرحها …
وقال التاج السبكي: … إنما المحدِّث من عرف الأسانيد، والعلل، وأسماء الرجال … ".
وذكر عن المِزِّي أنه سُئل عمن يستحق اسم الحافظ، فقال: " أقل ما يكون: أن يكون الرجال الذين يعرفهم، ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم: أكثر من الذين لا يعرفهم؛ ليكون الحكم للغالب ".
فكان العالم يعرف أحوال من أدركهم؛ إما باختباره لأحوالهم بنفسه، وإما بإخبار الثقاتِ له، ويعلم أحوال من تقدمه بإخبار الثقات، أو بإخبار الثقات عن الثقات، وهكذا، ويحفظ ذلك كله، كما يحفظ الحديث بأسانيده، حتى كان منهم من يحفظ الألوف، ومنهم من يحفظ عشرات الألوف، ومنهم من يحفظ مئات الألوف بأسانيدها " انتهى. "محاضرة في علم الرجال وأهميته - ضمن آثار المعلمي" (15 / 227).
ولا شك أن حفظ إسناد الحديث كما هو في المصنف الموجود فيه، أولى من حفظ أسماء الرواة مفردة، وهذا التفضيل راجع إلى عدة أمور، أهمها:
الأمر الأول: أن حفظ الحديث بإسناه كما جاء، يساهم في تذكر الحافظ لمرتبة هذا الحديث، من حيث الصحةُ والضعفُ.
الأمر الثاني: أن الحافظ للأسانيد كما هي، يُلِمُّ بطبقات الرواة، فيعرف شيوخ الراوي وتلاميذه، ومعرفة طبقات الرواة مهمة كما هو معلوم للمتخصصين في هذا العلم، ويحل إشكالات عدة.
قال العراقي رحمه الله تعالى:
" من المهمات: معرفة طبقات الرواة؛ فإنه قد يتفق اسمان في اللفظ، فيُظن أن أحدهما الآخر، فيتميز ذلك بمعرفة طبقتيهما، إن كانا من طبقتين، فإن كانا من طبقة واحدة، فربما أشكل الأمر، وربما عُرف ذلك بمن فوقه، أو دونه من الرواة، فربما كان أحد المتفقين في الاسم لا يروي عمن روى عنه الآخر، فإن اشتركا في الراوي الأعلى وفيمن روى عنهما، فالإشكال حينئذ أشد. وإنما يميز ذلك أهل الحفظ والمعرفة …
وبسبب الجهل بمعرفة الطبقات غلط غير واحد من المصنفين، فربما ظن راويا، راويا آخر غيره، وربما أدخل راويا في غير طبقته " انتهى. "شرح التبصرة والتذكرة" (2 / 342 - 343).
الأمر الثالث: حفظ الأسانيد بصيغ التحمل والأداء الواردة فيها، من تصريح بالسماع أو التصريح بالتحديث والاخبار، أو عدم التصريح بذلك والاكتفاء بالعنعنة ونحوها، هذا كله يُكْسِبُ الحافظ ملكة يميز بها بين الأسانيد المتصلة والمنقطعة.
والخلاصة:
حفظ أسماء الرواة بحفظ أسانيد المتون، هو الجادة والطريق التي سار عليها أهل الحديث سلفا وخلفا، وثبت نفعها، كما أنه يحقق فوائد جمّة، والعاقل يحفظ أوقات عمره بسلوك طرق التعلم والطلب التي قد جرّبت وثبت نفعها.
غير أن هذا إنما يطلب للمتخصص في ذلك العلم، ومن كان له نهمة في بلوغ الغاية فيه. وأما عامة الناس؛ فيكفيهم حفظ ما يتيسر لهم من المتون – كلام النبي صلى الله عليه وسلم - مع مدارستها، والتفقه فيها.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |