عنوان الفتوى : مصير من مات قبل الرسالة
اعلم بأن هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف العلماء في أهل الفترة الذين ماتوا قبل أن تبلغهم الرسالة، فقال بعض العلماء إنهم معذورون، لأنهم لم يأتهم نذير، والله سبحانه يقول: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) [الإسراء:15] واستدلوا كذلك بأن أهل النار يقرون يوم القيامة أنهم أنذروا، كما قال تعالى: ( كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير* قالوا بلى قد جاءنا نذير ) [ الملك:8-9 ]، فهذا يدل على أن أهل النار جميعاً أنذروا في الدنيا.
وقال آخرون : إن أهل الفترة في النار لأنهم ماتوا وهم كفار، والله تعالى يقول: ( ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً) [النساء:18] وقال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)[النساء :116] والآيات كثيرة في هذا المعنى، وهناك أيضاً أحاديث تدل على أن بعضهم يعذب، منها حديث أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: "في النار" فلما قفى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار". أخرجه مسلم. وقال بعض العلماء، إن التحقيق في هذه المسألة هو أن الله يمتحنهم يوم القيامة بنار يأمرهم باقتحامها، فمن اقتحمها دخل الجنة، ومن امتنع دخل النار.
وقد جاءت بهذا أحاديث، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو حسن، ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن، وقد أورد ابن كثير في تفسيره كثيراً منها وقال إن هذا القول يجمع بين الأدلة الواردة في هذا الموضوع. ومن المعروف أن الجمع بين الأدلة واجب ما أمكن بلا خلاف، لأن إعمال الدليلين أولى من إلغاء أحدهما، وبهذا يعلم أن هذا القول الأخير هو أصح الأقوال وأولاها بالصواب.
والله أعلم.