عنوان الفتوى : هل ما حدث للنبي يوم أحد يتعارض مع شجاعته وقوته؟
إذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أوتي قوة 40 رجلا، أو 4000 رجل. فكيف هزمه ابن قمئة في معركة أحد؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي البداءة ننبه إلى أن من منكر القول التعبير بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد هُزم، كما سبق في الفتوى: 456292.
وأما ما أصاب سيد الخلق نبينا -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد؛ فليس فيه معارضة، أو منافاة لشجاعته، وقوته، وشدة بأسه -عليه الصلاة والسلام-، فما بارزه -صلى الله عليه وسلم - رجل، أو صارعه فغلبه مثلا، وإنما كان ما أصابه -صلى الله عليه وسلم- ناجما عن رمي، ونحوه، ومن حكمة ذلك تعظيم أجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فقد جاء في سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للصالحي: تحت عنوان: ذكر تعظيم أجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما فعله معه المشركون، قال رحمه الله تعالى:
تكاثر المشركون على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأرادوا قتله. رمى عتبة بن أبي وقاص -لعنه الله- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأربعة أحجار، فكسر حجر منها رباعيته اليمنى السّفلى، وجرح شفته السّفلى... ورماه عبد الله بن قمئة- بفتح القاف وكسر الميم وبعدها همزة- فشجّ وجنته، فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته، وعلاه بالسيف. وكان عليه درعان، فوقع -صلى الله عليه وسلم- في حفرة أمامه على جنبه، وهي من الحفر التي عملها أبو عامر الفاسق، ليقع فيها المسلمون، وهم لا يعلمون، فأغمي عليه -صلى الله عليه وسلم-، كما رواه ابن جرير عن قتادة، فأخذ علي بن أبي طالب بيده، ورفعه طلحة، حتى استوى قائما، فجحشت ركبتاه، ولم يصنع سيف ابن قمئة شيئا، إلا وهن الضربة بثقل السيف، ومكث يجد وهن الضّربة على عاتقه شهرا، أو أكثر من شهر. ورمته جماعة كثيرة بالحجارة، حتى وقع لشقّه. وروى الطبراني عن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن ابن قمئة لمّا رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: خذها، وأنا ابن قمئة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أقمأك الله»، فسلّط الله -تعالى- عليه تيس جبل، فلم يزل ينطحه، حتى قطّعه؛ قطعة، قطعة. وروى أبو نعيم عن نافع بن عاصم قال: الذي أدمى وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن قمئة، رجل من هذيل، فسلّط الله تعالى عليه تيسا، فنطحه حتى قتله .اهـ.
وأما أنه- صلى الله عليه وسلم- أوتي قوة أربعين: فقد رواه الطبراني في المعجم الأوسط: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أُعْطِيتُ قُوَّةَ أرْبَعِينَ فِي البَطْشِ والنِّكاحِ. وهو حديث ضعيف، قال عنه الهيثمي -رحمه الله- في مجمع الزوائد: وَفِيهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ .اهـ.
وقال العراقي -رحمه الله- في تخريج أحاديث الإحياء: سنده ضعيف .اهـ.
ولكنه ثبت عن أنس كما في صحيح البخاري: أنه -صلى الله عليه وسلم- أوتي قوة ثلاثين.
وأما قوة أربعة آلاف: فلم يرد التصريح به في حديث مرفوع، لكن استنبطه بعض العلماء من جملة روايات، جاء في فتح الباري لابن حجر -في شرح للحديث الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدور على نسائه في الساعة الواحدة، من الليل والنهار، وهن إحدى عشرة. قال: قلت لأنس، أوكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين-: ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبي موسى عن معاذ بن هشام، أربعين بدل ثلاثين، وهي شاذة من هذا الوجه، لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك، وزاد في الجماع، وفي صفة الجنة لأبي نعيم من طريق مجاهد مثله، وزاد من رجال أهل الجنة، ومن حديث عبد الله بن عمرو رفعه أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع. وعند أحمد والنسائي، وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه. إن الرجل من أهل الجنة ليعطى قوة مائة في الأكل، والشرب، والجماع والشهوة. فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف. اهـ.
والله أعلم.