عنوان الفتوى : هل صحت الروايات التي تتحدث عن اعجاب وانبهار قريش بالقران؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

السلام عليكم الاحاديث والروايات التي تتحدث عن اعجاب وانبهار قريش بالقران هل صحت ام انها ضعيفة وخصوصا اني اواجه صعوبة بالفهم حيث البعض يصحح الأحاديث ويضعفها من علماء الحديث وشكرا

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله.

الاجابة

أولا:

روي في هذا الباب عدد من الروايات تفيد استشعار سادة قريش لعظمة القرآن الكريم وإعجابهم به، ومن ذلك:

1- قصة استماع أبي جهل وأبي سفيان والأخنس بن شريق لتلاوة النبي صلى الله عليه وسلم.

كما روى البيهقي في "الدلائل" (2 / 206)، وغيره: عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمدُ بنُ مسلمِ بْنِ شهابٍ الزهريُّ أَنَّهُ حُدِّث: ( أَنَّ أَبَا سُفْيان بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيق بن عَمرو بن وهب الثَّقفي حليف بني زُهْرة خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ.

فَأَخَذَ كلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وَكُلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ.

فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الفجرُ تَفَرَّقُوا فَجَمَعَهُمْ الطريقُ، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بعضُهم لِبَعْضِ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بعضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا.

ثُمَّ انْصَرَفُوا.

حَتَّى إذَا كَانَتْ الليلةُ الثَّانِيَةُ، عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الفجرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطريقُ، فَقَالَ بعضُهم لِبَعْضِ مثلَ مَا قَالُوا أَوَّلَ مَرَّةٍ.

ثُمَّ انْصَرَفُوا.

حَتَّى إذَا كَانَتْ الليلةُ الثالثةُ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مجلسَه، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إذَا طَلَعَ الفجرُ تَفَرَّقُوا، فَجَمَعَهُمْ الطَّرِيقُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نتعاهدَ ألا نعود على ذلك ثم تفرقوا… ).

فهذا الخبر من حيث الإسناد لا يصح؛ للجهالة بحال من حدّث الزهري بالخبر حيث لم يسمّه.

2- ومن ذلك أيضا: ما رواه البيهقي في " دلائل النبوة" (2/ 205)، و أبو نعيم في "الدلائل" (ص 233):

عن الْمُثَنَّى بْن زُرْعَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ( حم ، تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أَتَى أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَهُمْ : يَا قَوْمُ ، أَطِيعُونِي فِي هَذَا الْيَوْمِ واعصوني فيما بعده، فوالله لَقَدْ سَمِعْتُ مِنَ هَذَا الرَّجُلِ كَلَامًا مَا سَمِعَتْ أُذُنَايَ قَطُّ كَلَامًا مِثْلَهُ وَمَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ.

وفي إسناده الْمُثَنَّى بْنُ زُرْعَةَ، وهو مجهول.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

" وهذا حديث غريب جدا من هذا الوجه " انتهى من "البداية والنهاية" (4/ 160).

3- ومنه: ما رواه الحاكم في "المستدرك" (2/ 506)، وعنه البيهقي في "الدلائل" (2 / 198)، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الصَّنْعَانِيُّ بِمَكَّةَ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنْبَأَنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

أَنَّ ‌الْوَلِيدَ ‌بْنَ ‌الْمُغِيرَةِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ، فَكَأَنَّهُ رَقَّ لَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا جَهْلٍ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا عَمُّ، إِنَّ قَوْمَكَ يَرَوْنَ أَنْ يَجْمَعُوا لَكَ مَالًا.

قَالَ: لَمَ؟

قَالَ: لِيُعْطُوكَهُ، فَإِنَّكَ أَتَيْتَ مُحَمَّدًا لِتُعْرِضَ لِمَا قِبَلَهُ.

قَالَ: قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي مِنْ أَكْثَرِهَا مَالًا.

قَالَ: فَقُلْ فِيهِ قَوْلًا يَبْلُغُ قَوْمَكَ أَنَّكَ مُنْكِرٌ لَهُ أَوْ أَنَّكَ كَارِهٌ لَهُ.

قَالَ: وَمَاذَا أَقُولُ ! فَوَاللَّهِ مَا فِيكُمْ رَجُلٌ أَعْلَمَ بِالْأَشْعَارِ مِنِّي، وَلَا أَعْلَمَ بِرَجَزٍ وَلَا بِقَصِيدَةٍ مِنِّي ، وَلَا بِأَشْعَارِ الْجِنِّ ، وَاللَّهِ مَا يُشْبِهُ الَّذِي يَقُولُ شَيْئًا مِنْ هَذَا ، وَوَاللَّهِ إِنَّ لِقَوْلِهِ الَّذِي يَقُولُ حَلَاوَةً، وَإِنَّ عَلَيْهِ لَطَلَاوَةً، وَإِنَّهُ لَمُثْمِرٌ أَعْلَاهُ ، مُغْدِقٌ أَسْفَلُهُ، وَإِنَّهُ لَيَعْلُو وَمَا يُعْلَى، وَإِنَّهُ لَيَحْطِمُ مَا تَحْتَهُ. 

قَالَ: لَا يَرْضَى عَنْكَ قَوْمُكَ حَتَّى تَقُولَ فِيهِ.

قَالَ: فَدَعْنِي حَتَّى أُفَكِّرَ، فَلَمَّا فَكَّرَ قَالَ: هَذَا سِحْرٌ يُؤْثَرُ يَأْثُرُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَنَزَلَتْ: ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا …). 

وقال الحاكم: " هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ "، ووافقه الذهبي.

لكن في إسناده شيخ الحاكم أبو عبد اللَّه محمّد بن عليّ الصّنعانيّ، مجهول الحال.

وقد رواه بعضهم عن عكرمة مرسلا.

قال البيهقي رحمه الله تعالى عقب الحديث:

" هكذا حدثناه موصولا.

وفي حديث حماد بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال له : اقرأ علي، فقرأ عليه: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ).

قال: أعد، فأعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق ، وما يقول هذا بشر.

وهذا فيما رواه يوسف بن يعقوب القاضي، عن سليمان بن حرب، عن حماد، هكذا مرسلا.

وكذلك رواه معمر، عن عباد بن منصور، عن عكرمة مرسلا.

ورواه أيضا: معتمر بن سليمان، عن أبيه، فذكره أتم من ذلك مرسلا.

وكل ذلك يؤكد بعضه بعضا" انتهى. "الدلائل" (2 / 199).

وهذا الخبر مشهور عند أئمة السير والتفسير، فقالوا : في الوليد بن المغيرة نزلت الآيات:

( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا * إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ) المدثر (11 – 26).

قال الواحدي رحمه الله تعالى:

" وأجمعوا على أن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة " انتهى. "التفسير البسيط" (22/ 416).

وقال ابن عطية رحمه الله تعالى:

" ولا خلاف بين المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي " انتهى. "المحرر الوجيز" (5 / 394).

فالحاصل:

أن هذه الأخبار وإن كانت لا تخلو أسانيدها من مقال؛ إلا أن ضعفها ليس بشديد، وهي مشهورة عند أهل السير، فمثلها يستأنس بها ولا يتشدد في نقدها.

كما سبق بيان هذا في جواب السؤال رقم (255686).

ثانيا:

اعجاب فصحاء العرب بالقرآن أمر ثابت لا يحتاج إلى تكلف البحث عن حجج وأدلة له.

فأما من أسلم منهم فلما وجد من أثر القرآن على قلبه ونفسه.

كما عبّر عن ذلك مؤمنو الجن، حيث قال الله تعالى:

( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا ) الجن (1).

وأما الذين ماتوا على كفرهم، فيدل على أثر القرآن عليهم؛ أنهم حاروا في وصف القرآن؛ كما وصف القرآن حالهم، فمرة يصفونه بالسحر ومرة بالكهانة ومرة بالشعر .

وبسبب علمهم بقوة تأثير القرآن على المستمع إليه كانوا يتواصون بعدم السماع للقرآن واللغو عند تلاوته.

كما في قوله تعالى:

( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ) فصلت (26).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى:

" وهذه شهادة من الأعداء، وأوضح الحق، ما شهدت به الأعداء، فإنهم لم يحكموا بغلبتهم لمن جاء بالحق إلا في حال الإعراض عنه والتواصي بذلك.

ومفهوم كلامهم: أنهم إن لم يلغوا فيه، بل استمعوا إليه، وألقوا أذهانهم، أنهم لا يَغلِبون، فإن الحق، غالب غير مغلوب، يعرف هذا، أصحاب الحق وأعداؤه " انتهى. "تفسير السعدي" (ص 748).

وقال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى:

" فالذين كفروا هنا هم أئمة الكفر يقولون لعامتهم:

لا تسمعوا لهذا القرآن، فإنهم علموا أن القرآن كلام هو أكمل الكلام؛ شرفَ معانٍ، وبلاغة تراكيب، وفصاحة ألفاظ، وأيقنوا أن كل من يسمعه، وتُداخل نفسَه جزالةُ ألفاظه، وسُموُّ أغراضه: قضى له فهمه أنه حق اتباعه، وقد أدركوا ذلك بأنفسهم، ولكنهم غالبتهم محبة الدوام على سيادة قومهم، فتمالؤوا ودبروا تدبيرا لمنع الناس من استماعه، وذلك خشية من أن ترق قلوبهم عند سماع القرآن فصرفوهم عن سماعه " انتهى. "التحرير والتنوير" (24 / 277).

والله أعلم.