عنوان الفتوى : رفع دعوى على الأقارب الذين أصدروا صكًّا كاذبًا بحصر الورثة
توفي عمّي، وترك زوجته وبناته، وبعد فترة قصيرة قامت زوجة عمّي بإجراء معاملة حصر الإرث في المحكمة، وكتبت أن لا ورثة سواها وبناتها، مع علمها بوجود ورثة آخرين -وهم أبي المفقود، أو نحن أبناؤه الذكور في حال ثبتت وفاة أبي-، وشهد معها بعض أقاربنا بأنها هي الوريثة وبناتها فقط، ونعتقد أن الشهود مستقيمون، ولا يشهدون شهادة زور عمدًا.
بعد مدة طلبنا منها تصحيح الصك، فرفضت ذلك، وأخبرنا الشاهد بشهادته الخطأ، وعلم بذلك، فلم يفعل شيئًا بخصوص شهادته، ولم يقم بتصحيحها، ويقول: إنه شهد بحسن نية؛ لتسيير المعاملة، وليس لقصد حرماننا.
بعد فترة رفعنا دعوى في المحكمة لتصحيح الصك، ولم نذكر الشهود في الدعوى؛ لأننا لا نريد الإضرار بهم، فما كان من زوجة عمّي إلا أن وكّلت محاميًا للدفاع عنها، وفي الجلسات أنكر محاميها حقّنا بكل صراحة، مع إقراره للقاضي بأنهم يعلمون وجود أخ مفقود وأبنائه؛ وبناء عليه قام القاضي بتحويل زوجة عمّي والشهود للنيابة العامة لمحاسبتهم.
وبعد هذا كله أعطيناهم مهلة ثلاثة أيام لتصحيح الموقف، والاعتذار، والتراجع؛ فلم يستجيبوا، فهل نأثم في حال تمت محاسبة زوجة عمي، أو الشهود في النيابة؟ وهل يجب علينا التنازل شرعًا؛ لكيلا نضرّ بهم، إذا شعرنا أن العقوبة قد تكون أكبر من ذنبهم؟ مع العلم أن عقوبتهم هي السجن، أو الترحيل، أو الغرامة -عقوبات مجتمعة، أو بعضها-، ولكم جزيل الشكر.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فأما من حيث الإثم، فلا حرج عليكم فيما فعلتموه من المطالبة بالحق، ولا في إيضاح الحقيقة، وإنما الإثم على من كذب وظلم وسعى في أكل مال غيره بغير حق، ولا سيما وقد طالبتم بعد هذا كله بتصحيح الموقف، والاعتذار، والتراجع، فلم يستجيبوا.
وأما من حيث الفضل، فالأفضل هو العفو والتنازل؛ بغرض رفع العقوبة عنهم، مع نصحهم بالتوبة، وأداء الحقوق، قال تعالى: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {الشورى:40-43}.
والله أعلم.