عنوان الفتوى : الموازنة بين المرابط لانتظار الصلاة والمرابط في سبيل الله
السؤال
هل يثاب المرابط بين المغرب والعشاء ثواب المرابط في سبيل الله؟
سماحة الشيخ: لقد قرأت حديثا عن انتظار الصلاة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وإسباغ الوضوء، على أنها رباط، والمرابط أجره عظيم، كالصائم القائم، وإذا مات لا ينقطع عمله إلى يوم القيامة. فهل هذا الثواب العظيم يناله من يرابط في المسجد؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن انتظار الصلاة في المسجد ثوابه عظيم, وقد ثبت الترغيب فيه, ومن ذلك الحديث الذي أشرت إليه، وهو حديث صحيح، رواه الإمام مسلم, وراجع المزيد عنه في الفتوى: 151661، وراجع كذلك الفتوى: 28429. وهي بعنوان: معنى: فذلكم الرباط.
لكن المنتظر للصلاة في المسجد لا يحصل على ثواب المرابط في سبيل الله تعالى الذي لا ينقطع ثواب عمله إلى آخر ما ثبت من الترغيب الخاص بالرباط في سبيل الله تعالى. ففي صحيح الإمام مسلم, وغيره عن سلمان -رضي الله تعالى- عنه، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان.
قال النووي في شرح صحيح مسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله) هذه فضيلة ظاهرة للمرابط، وجريان عمله عليه بعد موته فضيلة مختصة به لا يشاركه فيها أحد، وقد جاء صريحا في غير مسلم: كل ميت يختم على عمله إلا المرابط، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة. اهـ
وفي الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: قال ابن قتيبة: أصل الرباط أن يربط هؤلاء خيلهم، وهؤلاء خيلهم، استعدادا للقتال، قال الله تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" وأخرج ذلك ابن أبي حاتم وابن جرير وغيرهما, وتفسيرُه برباط الخيل يرجع إلى الأول، وفي الموطإ عن أبي هريرة مرفوعا: وانتظار الصلاة، فذلكم الرباط, وهو في السنن عن أبي سعيد، وفي المستدرك عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أن الآية نزلت في ذلك، واحتج بأنه لم يكن في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غزو فيه رباط. انتهى. وحملُ الآية على الأول أظهر، وما احتج به أبو سلمة لا حجة فيه، ولا سيما مع ثبوت حديث الباب. فعلى تقدير تسليم أنه لم يكن في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رباط فلا يمنع ذلك من الأمر به، والترغيب فيه، ويحتمل أن يكون المراد كلا من الأمرين، أو ما هو أعم من ذلك. اهـ
وفي سنن الترمذي, وسنن النسائي من حديث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل. حسنه الألباني في صحيح وضعيف الترمذي والنسائي.
قال المناوي في فيض القدير: اختلف هل الأفضل الجهاد أم الرباط؟ والحديث يدل على أن الرباط أفضل لأنه جعله الغاية التي ينتهي إليها أعمال البر، والرباط يحقن دماء المسلمين، والجهاد يسفك دماء المشركين، فانظر ما بين الدمَينِ حتى يصح لك أفضل العملين. اهـ
وفي مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: «رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم سواه» : أي فيما سوى الرباط،، أو فيما سوى سبيل الله، فإن السبيل يذكر ويؤنث (من المنازل) : وخص منها المجاهد في المعركة بدليل منفصل عقلي ونقلي، وهو ينافي تفسير الرباط بانتظار الصلاة بعد الصلاة في المساجد، وقوله صلى الله عليه وسلم: " فذلك الرباط، فذلك الرباط" لأنه رباط دون رباط، بل هو مشبه بالرباط للجهاد، فإنه الأصل فيه، أو هذا رباط للجهاد الأكبر، كما أن ذاك رباط للجهاد الأصغر، وتفسيٌر لقوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا} [آل عمران: 200] فإن الرباط الجهادي قد فهم مما قبله، كما لا يخفى. اهـ
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |