عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى: (ويمنعون الماعون) وحكم العارية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قال تعالى في سورة الماعون: (ويمنعون الماعون)، فهل المقصود أنه إذا احتاج شخص منك أيّ أداة من أدوات البيت (المواعين)، فيجب أن تعطيه، ولا ترده؟ وإذا كثر طلب هذا الشخص لأدواتك؛ وحين يرجعها تكون إما لحقها تخريب، أو نقص، فهل يجوز لي أن لا أعطيه إياها مرة أخرى؟ مع العلم أنه من الممكن أن يكون جارة لي أو صديقة؟ وجزاكم الله خيرًا.

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:

فقد قيل في تفسير الماعون الوارد في قوله تعالى: وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ. {سورة الماعون:7} عدة أقوال:

منها: أن المراد به ما يُستعار، كالقِدر، والقصعة، والفأس، والإبرة، ونحوها مما جرى عرف الناس باستعارتها من بعضهم، وهذا مروي عن ابن مسعود، وابن عباس.

وقيل في تفسيرها: أنها الزكاة، وهذا مروي عن عليّ، وابن عمر، والحسن، وعكرمة، وقتادة.

وقيل المراد به المال، قاله سعيد بن المسيب، والزهري. وقيل غير ذلك.

وعلى القول بأن المقصود به ما يستعيره الناس من بعضهم، فإن أكثر العلماء على أن الإعارة، ليست واجبة، ولا يأثم المرء بترك إعارة متاعه للناس، جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الإْعَارَةِ، بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِهَا، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ -مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ- إِلَى أَنَّ حُكْمَهَا فِي الأْصْل النَّدْبُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}، وَقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُل مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً؛ لأِنَّهَا نَوْعٌ مِنَ الإْحْسَانِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ، فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ، وَقَوْلُهُ: لَيْسَ فِي الْمَال حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ.

وَقِيل: هِيَ وَاجِبَةٌ، وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}، نُقِل عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا عَارِيَّةَ الْقِدْرِ، وَالدَّلْوِ، وَنَحْوِهِمَا. قَال صَاحِبُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: وَقَدْ يَعْرِضُ لَهَا الْوُجُوبُ، كَغَنِيٍّ عَنْهَا، فَيَجِبُ إِعَارَةُ كُل مَا فِيهِ إِحْيَاءُ مُهْجَةٍ مُحْتَرَمَةٍ، لاَ أُجْرَةَ لِمِثْلِهِ، وَكَذَا إِعَارَةُ سِكِّينٍ؛ لِذَبْحِ مَأْكُولٍ يُخْشَى مَوْتُهُ ... وَقَدْ تَكُونُ حَرَامًا، كَإِعْطَائِهَا لِمَنْ تُعِينُهُ عَلَى مَعْصِيَةٍ. وَقَدْ تَكُونُ مَكْرُوهَةً، كَإِعْطَائِهَا لِمَنْ تُعِينُهُ عَلَى فِعْلٍ مَكْرُوهٍ. اهـ.

وفصل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- في منع الماعون، فقال:

ومنع الماعون ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: قسم يأثم به الإنسان.

القسم الثاني: قسم لا يأثم به، لكن يفوته الخير.

فما وجب بذله، فإن الإنسان يأثم بمنعه، وما لم يجب بذله، فإن الإنسان لا يأثم بمنعه؛ لكن يفوته الخير. مثال ذلك: إنسان جاءه رجل مضطر، فقال: أعطني إناءً أشرب به، فإن لم أشرب، مت, فبذل الإناء له واجب, حتى إن بعض العلماء يقول: لو مات هذا الإنسان، فإنه يضمنه ذاك بالدية؛ لأنه سبب موته, ويجب عليه بذل ما طلبه. جاء إنسان إلى آخر، يقول: أعطني ثوبًا أدفأ به من البرد، وإلا هلكت, هنا يجب عليه أن يبذل له ذلك الثوب وجوبًا. انتهى من لقاء الباب المفتوح.

فلا يلزمك أن تعيري أشياءك، لا سيما لمن علمت أنه لا يحافظ عليها، ويردها معيبة.

وإذا أعرتِه، وردها معيبة، فإنه يلزمه الضمان، وانظري الفتوى: 65886.

والله تعالى أعلم.