عنوان الفتوى : من يستحق المغفرة ومن لا يستحقها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قال الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) لله تعالى أن يغفر لمن شاء لا راد لمشيئته ولكن ما السبب لمغفرته ذنوب عباد من عباده دون غيرهم؟ وهل يدخل في المشيئه من أرتكب ذنوباً كبيرة وتاب ولم يحد؟ وهل القاتل التائب يكون من ضمنهم؟ولكم خالص الشكر.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:فقد قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء[النساء:48]، واتفق أهل السنة والجماعة على أن الذنوب التي دون الشرك يغفرها الله، وأن صاحبها تحت مشيئة الله، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، ومرجع ذلك إلى الله تعالى، فهو أعلم وأخبر بمن يستحق العفو ومن لا يستحقه؛ لأن بعض من ارتكب بعض كبائر الذنوب له رصيد آخر من الحسنات وأعمال بها يعفو الله تعالى عن كبيرته التي لم يتب منها. والله تعالى لا يظلم أحدًا؛ لقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء:40]. ويتفضل سبحانه وتعالى على بعض عباده تكرمًا منه بما شاء، وليس لنا أن نعترض على ذلك؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ [الأنبياء:23].والكبائر على قسمين: الأول: ما كانت بين العبد وبين ربه فقط.الثاني: ما تعلق بها حق لآدمي.فالأول كالزنا وشرب الخمر، فهذه تكفي فيها التوبة، ويندب أن يستر الإنسان على نفسه فيها ولا يرفع أمره للحاكم لإقامة الحد عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله تعالى. رواه مالك مرسلاً والحاكم والبيهقي بسند جيد.وأما الثانية، فكالقتل بغير حق والسرقة ونحو ذلك، فمن تاب تاب الله عليه، ولكن يبقى عليه التحلل من ظلم الآخرين، فيجب عليه رد المسروق وتسليم نفسه لأولياء المقتول للقصاص أو العفو إلى الدية، أو إلى غير دية، وبذلك تبرأ ذمته، فإن لم يفعل فإنهم يوم القيامة يأخذون بقدر مظلمتهم من حسناته، فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه، ثم ألقي في النار.وهل يبقى عليه حق المقتول أم لا؟ فيه خلاف بين أهل العلم، وقد فصل هذا شيخ الإسلام في الفتاوى، فقال: قَاتِلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَيْهِ " حَقَّانِ " : حَقٌّ لِلَّهِ بِكَوْنِهِ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ وَانْتَهَكَ حُرُمَاتِهِ . فَهَذَا الذَّنْبُ يَغْفِرُهُ اللَّهُ بِالتَّوْبَةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)[الزمر:53]. أَيْ لِمَنْ تَابَ . وَقَالَ: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الفرقان:68-70]، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ رَجُلًا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ : هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ ؟ فَقَالَ : أَبَعْدَ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ تَكُونُ لَك تَوْبَةٌ، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ مَكَثَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الْأَرْضِ فَدُلَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ هَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ ؟ قَالَ : وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَ التَّوْبَةِ، وَلَكِنْ ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا فَإِنَّ فِيهَا قَوْمًا صَالِحِينَ فَاعْبُدْ اللَّهَ مَعَهُمْ، فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فِي الطَّرِيقِ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ; فَبَعَثَ اللَّهُ مَلَكًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَأَمَرَ أَنْ يُقَاسَ فَإِلَى أَيِّ الْقَرْيَتَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ أُلْحِقَ بِهِ، فَوَجَدُوهُ أَقْرَبَ إلَى الْقَرْيَةِ الصَّالِحَةِ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ).وَالْحَقُّ الثَّانِي: حَقُّ الْآدَمِيِّينَ. فَعَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يُعْطِيَ أَوْلِيَاءَ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ فَيُمَكِّنَهُمْ مِنْ الْقِصَاصِ، أَوْ يُصَالِحَهُمْ بِمَالِ، أَوْ يَطْلُبَ مِنْهُمْ الْعَفْوَ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِمْ وَذَلِكَ مِنْ تَمَامِ التَّوْبَةِ. وَهَلْ يَبْقَى لِلْمَقْتُولِ عَلَيْهِ حَقٌّ يُطَالِبُهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد وَغَيْرِهِ، وَمَنْ قَالَ يَبْقَى لَهُ، فَإِنَّهُ يَسْتَكْثِرُ الْقَاتِلُ مِنْ الْحَسَنَاتِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَقْتُولَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ حَقِّهِ وَيَبْقَى لَهُ مَا يَبْقَى، فَإِذَا اسْتَكْثَرَ الْقَاتِلُ التَّائِبُ مِنْ الْحَسَنَاتِ رُجِيَتْ لَهُ رَحْمَةُ اللَّهِ ; وَأَنْجَاهُ مِنْ النَّارِ وَلَا يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ. وراجع الفتاوى التالية: 31416، 31318، 34852.والله أعلم.