عنوان الفتوى : المبتل بنجاسة هل ينجس ما لاقاه على مذهب الأحناف؟
في درر الحكام شرح غرر الأحكام، وهو حنفي: أن الثوب الطاهر لا يتنجس إذا أصابته نداوة، بسبب لفه في ثوب نجس رطب لا ينعصر؛ لعدم انفصال شيء من جرم النجاسة حينئذ. انتهى منه بتصرف. ثم بعدها قرأت هذا القول، وفتشتت، ففي رد المحتار لابن عابدين الحنفي: (قوله: لف ثوب نجس رطب) أي: مبتل بماء، ولم يظهر في الثوب الطاهر أثر النجاسة، بخلاف المبلول بنحو البول؛ لأن النداوة حينئذ عين النجاسة. انتهى. وسؤالي: كيف أتأكد إذا كان أصابه أثر النجاسة أم لا؟ وهل تكفي غلبة الظن؟ وما الحكم إذا كانت الملامسة سريعة؟ وهل تشمل هذه الفتوى الانتقال من الملابس للجسم، أو الجمادات، والعكس؟ وإذا كنت أذكر نجاسة شيء، ولكن لا أذكر كيف تنجس تمامًا، فهل يمكنني أن أقول: إنني اعتقدت أنه أصابته نجاسة، خاصة إذا غلب على ظني؟ وهل يجب أن يكون الثوب الطاهر جافًّا، أم يجب أن يكون رطبًا أو مبتلًا؟ أرجوكم أفيدوني، ولا تحيلوني لإجابات أخرى؛ فأنا موسوسة جدًّا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاعلمي أولًا أن علاج الوساوس هو الإعراض عنها، وعدم الالتفات إليها، ثم إن الحنفية يسهلون جدًّا في يسير النجاسة، وانظري الفتوى رقم: 134899، ورقم: 334450.
وإذا عملت بمذهبهم في يسير النجاسة، زال عنك الإشكال، وتبين لك أنه على فرض الحكم بانتقال النجاسة في الصور المذكورة؛ فإنها معفو عنها.
ثم إن تحرير مذهب الحنفية أن المبتل بنحو بول لا ينجس ما لاقاه، إلا إن ظهر أثر النداوة فيه، قال في الدر المختار: لُفَّ طَاهِرٌ فِي نَجِسٍ مُبْتَلٍّ بِمَاءٍ إنْ بِحَيْثُ لَوْ عُصِرَ قَطَرَ، تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا. وَلَوْ لُفَّ فِي مُبْتَلٍّ بِنَحْوِ بَوْلٍ، إنْ ظَهَرَ نَدَاوَتُهُ أَوْ أَثَرُهُ تَنَجَّسَ وَإِلَّا لَا. انتهى.
فإذا علمت هذا؛ فإن الملامسة السريعة لا يتحقق بها ظهور أثر النداوة، كما أنه عند الشك، فالأصل الحكم بالطهارة.
ويكفي العمل بغلبة الظن عند كثير من العلماء.
وليس البدن كالثياب في هذا الحكم عند الحنفية، كما في الفتوى رقم: 318397.
فلا تحكمي بنجاسة شيء، إلا إذا حصل لك بذلك اليقين الجازم الذي تستطيعين أن تحلفي عليه؛ وحينئذ يلزمك تطهيره -جافًّا كان أو مبتلًا-، سواء ذكرت عين النجاسة التي أصابته أم لا.
وبدون هذا اليقين الجازم، فالأصل الطهارة، فاعملي بها طارحة الوساوس، معرضة عنها؛ فإن استرسالك معها يفضي بك إلى شر عظيم.
والله أعلم.