عنوان الفتوى : سبب تحريم التعامل مع البنوك غير الإسلامية
أولا: نسمع كثيرا من هنا وهناك بأن أموال البنوك تعد ربا وبالتالي فهي حرام لا يجوز التعامل بها، هذا فريق، وفريق آخر يقول إنها ليست ربا ويجوز التعامل بها ولا شيء على صاحبها، وقد قمنا من أجل حل هذا الخلاف بسؤال الجهة المختصة في بلدنا ـ مصر ـ وهي دار الإفتاء المصرية، تنفيذا لأمر ربنا تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ـ وقمنا بعرض الأمر برمته على دار الإفتاء فأوضحت جليا أن أموال البنوك تعد حلالا ولا شيء فيها، وقمنا بسؤالهم عن أسباب ثبات نسبة الأرباح فأوضحت أنه نتيجة تقدم نظام المحاسبة أو شيء من هذا القبيل ونحن نرى أنه لا شيء في أموال البنوك، إذ البنوك تقوم بجمع هذه الأموال من الأشخاص الذين لديهم فائض مالي ويريدون ادخار أموالهم أو من الذين يريدون حفظ أموالهم، ومهما كانت الأسباب فإن النتيجة أن يقوم العميل بوضع أمواله في هذه البنوك ثم تقوم بعمل عدة مشروعات تشارك فيها بأموال هؤلاء المودعين وبالتالي تقوم بتوزيع نسبة من الأرباح نظير المشاركة بأموالهم في هذه المشروعات، ونريد أن نعرف ما حقيقة وضع الأموال في البنوك؟. وثانيا: ماذا لو أخذنا برأي الجهة الشرعية المعتمدة لدينا، وهي دار الإفتاء المصرية؟ وهل إذا كانت حراما علينا نحن المودعون أي ذنب في االتعامل بها؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالبنوك الإسلامية التي تنضبط معاملاتها بالشرع يجوز التعامل معها ويجوز لصاحب المال أن يضارب به مع هذه البنوك والأموال العائدة من هذه المضاربة حلال، أمّا البنوك التي لا تنضبط معاملاتها بالشرع وتعتمد على الإقراض والاقتراض بالربا، وتعطي لصاحب المال نسبة معلومة من رأس المال، فهذه معاملة محرمة والمال المكتسب منها محرم، مع التنبيه إلى أنّ سبب التحريم ليس ثبات النسبة التي يعطيها البنك لصاحب المال، ولكن سبب التحريم كون هذه النسبة من رأس المال وليست من الربح، وراجع الفتوى رقم: 352354.
واعلم أنّ الواجب على العامي أن يسأل من يثق بعلمه ودينه ويعمل بما يطمئن إلى صوابه وموافقته الحق، أما إذا لم يطمئن قلب المستفتي لقول المفتي، فلا يسعه العمل به ولو كان المفتي عالماً مجتهداً، قال ابن القيم رحمه الله: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِمُجَرَّدِ فَتْوَى الْمُفْتِي إذَا لَمْ تَطْمَئِنَّ نَفْسُهُ، وَحَاكَ فِي صَدْرِهِ مِنْ قَبُولِهِ، وَتَرَدَّدَ فِيهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْتَفْتِ نَفْسَكَ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ ـ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَفْتِيَ نَفْسَهُ أَوَّلًا، وَلَا تُخَلِّصُهُ فَتْوَى الْمُفْتِي مِنْ اللَّهِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ مَا أَفْتَاهُ، كَمَا لَا يَنْفَعُهُ قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذُهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ نَارٍ ـ وَالْمُفْتِي وَالْقَاضِي فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلَا يَظُنُّ الْمُسْتَفْتِي أَنَّ مُجَرَّدَ فَتْوَى الْفَقِيهِ تُبِيحُ لَهُ مَا سَأَلَ عَنْهُ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ فِي الْبَاطِنِ، سَوَاءٌ تَرَدَّدَ أَوْ حَاكَ فِي صَدْرِهِ، لِعِلْمِهِ بِالْحَالِ فِي الْبَاطِنِ، أَوْ لِشَكِّهِ فِيهِ، أَوْ لِجَهْلِهِ بِهِ، أَوْ لِعِلْمِهِ جَهْلَ الْمُفْتِي أَوْ مُحَابَاتِهِ فِي فَتْوَاهُ أَوْ عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَوْ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ بِالْفَتْوَى بِالْحِيَلِ وَالرُّخَصِ الْمُخَالِفَةِ لِلسُّنَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ مِنْ الثِّقَةِ بِفَتْوَاهُ وَسُكُونِ النَّفْسِ إلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ عَدَمُ الثِّقَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ لِأَجْلِ الْمُفْتِي يَسْأَلُ ثَانِيًا وَثَالِثًا حَتَّى تَحْصُلَ لَهُ الطُّمَأْنِينَةُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلَا يُكَلِّفْ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَالْوَاجِبُ تَقْوَى اللَّهِ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ.
والله أعلم.