عنوان الفتوى : الأدلة على عالمية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم
"وما أرسلنا من رسولٍ إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم". والآية السابعة من سورة الشورى تقول: " وكذلك أوحينا إليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير". فالذي يُفهم من هاتين الآيتين، حسب المنطق، هو أن الله لا يرسل رسولاً لأمة إلا بلسانها، ولما أرسل محمداً بلسانٍ عربي لينذر أم القرى، أي مكة، ومن حولها، يكون المقصود بالرسالة هم العرب. ولكن في سورة أخرى يخبرنا القرآن أن الاسلام اُنزل مصدقاً ومتمماً للكتب التي سبقته، وكذلك أرسل الله محمداً بالإسلام ليظهره على الدين كله. أي بمعنى آخر، أرسل محمداً لكل البشر رغم أن القرآن نزل باللغة العربية.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه ليس في الآيات ما يفيد خصوص الرسالة بالعرب، بل ثبتت النصوص بعالمية رسالة النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما قال الله تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ {الأنعام:90}، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ {الأنبياء:107}، وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا {الفرقان:1}.
وآية الشورى التي سألت عنها تفيد عالمية الرسالة لأن المقصود بمن حولها هو جميع الخلق، كما دلت على ذلك نصوص الوحي من الكتاب والسنة المبينة له. قال الإمام الطبري في تفسيره (21/ 503) : وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير، يقول تعالى ذكره: وهكذا (أوحينا إليك) يا محمد (قرآنا عربيا) بلسان العرب، لأن الذين أرسلتك إليهم قوم عرب، فأوحينا إليك هذا القرآن بألسنتهم، ليفهموا ما فيه من حجج الله وذكره، لأنا لا نرسل رسولا إلا بلسان قومه، ليبين لهم (لتنذر أم القرى) وهي مكة (ومن حولها) يقول: ومن حول أم القرى من سائر الناس. اهـ
وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (16/ 6) : قوله تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً} أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني، فكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا بيناه بلغة العرب. قيل : أي أنزلنا عليك قرآنا عربيا بلسان قومك ؛ كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه. والمعنى واحد. {عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى} يعني مكة. قيل لمكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها. {وَمَنْ حَوْلَهَا} من سائر الخلق. اهـ
وكون القرآن نزل بلغة العرب التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم بها لا يفيد خصوص رسالته بالعرب، بل إنما نزل بلغتهم لكونهم هم أول من تلقى الرسالة، وهم المكلفون في أول الأمر بالدعوة إليها وتبليغها. ولأن الرسالة الخاتمة العالمية لا يمكن أن تكون بجميع اللغات، فاختار الله لها أشرف اللغات وهي اللغة العربية، وأما غير العرب فلا بد أن تبلغهم رسالة الله تعالى إما بأن يعلموا لغة العرب، أو تترجم لهم النصوص إلى لغاتهم، وهذا ما حدث في القرون الأولى، حيث عرضت الدعوة على الناس كافة فآمن الكثير منهم، وتفقهوا في الدين وأتقنوا اللغة العربية، ففهموا القرآن وصاروا أئمة في الدين والفقه واللغة، والأمثلة على ذلك أكثر وأشهر من أن تحتاج إلى ذكر أو بيان. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 49793 . والله أعلم.