عنوان الفتوى : معنى الحديث ؛ لم يأته من الدنيا إلا ما قدر له

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما معنى المقطع من هذا الحديث : عن النبي صلى الله عليه وسلم :   من كانت الآخرةُ همَّه ، جعل اللهُ غناه في قلبِه ، وجمع له شملَه وأتتْه الدُّنيا وهي راغمةٌ ، ومن كانت الدنيا همَّه جعل اللهُ فقرَه بين عينَيه ، وفرَّق عليه شملَه ، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له  . والسؤال : ما معنى   ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّرَ له   ؟ فهل إذا كانت الآخرة همه ، كتب له زيادة من الدنيا ، وهذه الزيادة ستكون مما قد قدره الله له ، وكتبها له ؟ فنرجو توضيح المقصود بهذه الجملة .

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله

هذا الحديث رواه الترمذي (2465) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:   مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ   .

ورواه ابن ماجه (4105) من حديث زَيْد بْن ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:   مَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ، وَمَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللَّهُ لَهُ أَمْرَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ   .

وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (2 / 634).

وقوله:   وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ  ، وفي الرواية الثانية إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ  ، معناها أن الحرص المذموم على الدنيا لا يزيد صاحبه نفعا؛ لأن رزقه قد قدر وكتب، فلا يأتيه إلا هذا المقدار المكتوب له ، مهما أتعب نفسه من أجل الدنيا ، فعلى الإنسان العاقل أن يكتفي بطلب الدنيا بطريق مشروع من غير حرص زائد.

قال السندي في حاشيته على ابن ماجه :

"(وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ) أَيْ: مَقْهُورَةٌ .

فَالْحَاصِلُ : أَنَّ مَا كُتِبَ لِلْعَبْدِ مِنَ الرِّزْقِ : يَأْتِيهِ لَا مَحَالَةَ ، إِلَّا أَنَّهُ مَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ يَأْتِيهِ بِلَا تَعَبٍ ، وَمَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا يَأْتِيهِ بِتَعَبٍ وَشِدَّةٍ، فَطَالِبُ الْآخِرَةِ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ جِمْعِ الْمَالِ : الرَّاحَةَ فِي الدُّنْيَا ، وَقَدْ حَصَلَتْ لِطَالِبِ الْآخِرَةِ ، وَطَالِبُ الدُّنْيَا قَدْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ؛ لِأَنَّهُ فِي الدُّنْيَا فِي التَّعَبِ الشَّدِيدِ فِي طَلَبِهَا ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ لَهُ فِي الْمَالِ إِذَا فَاتَتِ الرَّاحَةُ؟!" انتهى .

وقال المباركفوري رحمه الله تعالى:

" ( وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ ) أي وهو راغم، فلا يأتيه ما يطلب من الزيادة ؛ على رغم أنفه وأنف أصحابه " انتهى من "تحفة الأحوذي" (7 / 140).

وقال الطيبي رحمه الله تعالى:

" وقوله: ( وأتته الدنيا وهي راغمة ) مقابل لقوله: ( ولا يأتيه منها إلا ما كتب له ) .

فيكون معنى الأول: وأتاه ما كتب له من الدنيا ، وهي راغمة.

ومعنى الثاني: وأتاه ما كتب له من الدنيا ؛ وهو راغم " .

انتهى من "شرح مشكاة المصابيح" (11 / 3372).

ويتضح هذا بحديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، خُذُوا مَا حَلَّ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ  رواه ابن ماجه (2144)، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 209).

ومعنى :  وأجملوا في الطلب  : أي : اطلبوا الرزق طلبا رفيقًا ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المراد بذلك ، بأن يأخذ الإنسان ما حل ، ويدع ما حرم .

انظر : "فيض القدير" (3/207) .

والله أعلم.


 

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...