عنوان الفتوى : المولود في الجنة.
أود أن أعرف ما جناه ولد وجد أباه وأمه نصرانيين أو يهوديين أو غير مسلمين حتى يدخل النار وما ميزة من ولد ووجد أبويه مسلمين حتى يدخل الجنه؟ وشكراً.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد اختلف أهل العلم في أولاد المشركين على عشرة أقوال حكاها الحافظ ابن حجر في الفتح ونسب كل قول إلى قائله، وقد اختار جمع من المحققين من أهل العلم أنهم في الجنة كـ البخاري والنووي حيث قال: وهو المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون لقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15].
وإذا كان لا يعذب العاقل لكونه لم تبلغه الدعوة فلأن لا يعذب غير العاقل من باب أولى.. انتهى.
ويؤيد هذا القول عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: كل مولود يولد على الفطرة. متفق عليه. وفي مسند أحمد مرفوعاً: والذي نفسي بيده ما من نسمة تولد إلا على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها. قال شعيب الأرناؤوط :حديث صحيح لغيره.
ويؤيده ما رواه البخاري في حديث المعراج، وفيه: وأما الولدان الذين حوله - أي حول نبي الله إبراهيم عليه السلام في الجنة - فكل مولود مات على الفطرة، قال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأولاد المشركين.
وروى أبو يعلى بإسنادٍ حسن كما قال الحافظ ابن حجر عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سألتُ ربي الّلاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم. . وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال .
وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة. قال ابن حجر: إسناده حسن.
وبهذا يتبين أن أولاد المشركين الذين ماتوا قبل بلوغ سن التكليف في الجنة. وأما من بلغ منهم وبلغته دعوة الإسلام فلم يقبلها فهو من أهل النار، وهذا مما لا نزاع فيه.
وهناك قول لبعض أهل العلم بأن أطفال المشركين الذين يموتون قبل بلوغ سن التكليف في النار تبعاً لآبائهم، ومستندهم في ذلك بعض الأدلة ومنها قوله تعالى: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً [نوح:26-27].
وحديث الصعب بن جثامة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الذراري من المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم ؟ فقال: هم منهم.
والبيات معناه: أن يغير المسلمون ليلاً على من بلغتهم الدعوة من الكفار فيقتلونهم ولا يستطيعون أن يميزوا بينهم وبين نسائهم وذراريهم، فأباح النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة قتلهم جميعاً، وأما عند التميز فلا تقتل امرأة ولا صبي.
وهكذا أولاد المشركين من آبائهم في أحكام الدنيا كالإرث والنكاح والقصاص والديات وغير ذلك.
ومن أدلتهم حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله، ذراري المؤمنين ؟ قال: من آبائهم، فقلت: يا رسول الله بلا عمل ؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين، قلت: فذاراري المشركين ؟ قال: من آبائهم، قلت: بلا عمل، قال: الله أعلم بما كانوا عاملين. رواه أبو داود وصححه الألباني.
ومن أدلتهم حديث علي قال: سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هما في النار، قال: فلما رأى الكراهة في وجهها قال: لو رأيت مكانهما لأبغضتهما، قالت: يا رسول الله فولدي منك ؟ قال: في الجنة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21]. رواه عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند وفيه ضعف.
ورأى القائلون بهذه القول أن الله علم منهم أنهم لو بقوا على قيد الحياة لعملوا بعمل آبائهم، فليس في إدخالهم النار ظلم لهم.
وأما الذين بلغوا سن التكليف وبلغتهم دعوة الإسلام ولم يقبلوها فلا خلاف في كفرهم وتخليدهم في النار؛ لأنهم بلغوا سنّاً تمكنهم من النظر والبحث عن الدين الحق الذي يجب عليهم التزامه، ولا ينفعهم اعتذارهم في البقاء على كفرهم بأنهم وجدوا آباءهم على الكفر، وقد أورد الله تعالى احتجاج المشركين بهذه الحجة وردها عليهم في قوله تعالى: بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ* وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ* فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الزخرف:22: 25]، فلم تنفعهم هذه الحجة الباطلة.
وقال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ [البقرة:170].
والله أعلم.