عنوان الفتوى : هل يجب على المرأة طاعة زوجها في كل أمر مباح؟
هل يجوز للزوج منع زوجته من تدريس القرآن الكريم من منزلها للنساء فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعى بدون إبداء أىة أسباب، رغم عدم تأثير ذلك على منزلها؟ وهل لو خالفت الزوجة الزوج فى ذلك تأثم؟ وهل للزوج الطاعة المطلقة فى أى أمر طالما لم يأمرها بمنكر، ورغم إنها لو فعلت هذا الأمر هى أيضا لم تفعل منكرا؟ اثير ذ
الحمد لله.
أولا:
يجب على المرأة طاعة زوجها، ومعرفة حقه عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ الْحَقِّ ) رواه أبو داود (2140)، والترمذي (1159)، وابن ماجه (1853)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وفي "الموسوعة الفقهية" (41/313): " اتفق الفقهاء على أن طاعة الزوج واجبة على الزوجة، لقوله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ولقوله تعالى ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة، واتفقوا كذلك على أن وجوب طاعة الزوجة زوجها مقيدة بأن لا تكون في معصية لله تعالى، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة لمخلوق في معصية الله عز وجل) انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الْوَاجِب عَلَيْهَا طَاعَة زَوجهَا إِذا لم يأمرها بِمَعْصِيَة" انتهى من "مختصر الفتاوى المصرية" ص 347.
ثانيا:
هل يجب على المرأة طاعة زوجها في كل أمر مباح من فعل أو ترك، أم هذه الطاعة مقيدة بأمور النكاح وتوابعه؟
الذي يظهر، والله أعلم: أن طاعة الزوج إنما تلزم المرأة، وتأثم بمخالفتها له: إذا أمرها بأمر يتعلق بالنكاح وتوابعه، ولم يكن لها عذر في تركه، أو أمرها بأمر مصلحته ظاهرة، سواء تعلق بخصوص النكاح، أو ما يتعلق بأمور بيتهما ومعاشهما.
وأما ما لم تكن مصلحته ظاهرة، فإنما يلزمها طاعته ظاهرا فقط، لئلا يفسد أمر عيشهما، ويقع الشقاق والنفرة بينهما.
قال ابن نجيم رحمه الله في "البحر الرائق" (5/77): " المرأة لا يجب عليها طاعة الزوج في كل ما يأمر به ؛ إنما ذلك فيما يرجع إلى النكاح وتوابعه" انتهى.
قال ابن الصلاح: "وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من الْخياطَة والرقم والغزل وَنَحْوهَا فِي منزله". انتهى من "فتاوى ابن الصلاح" (2/ 453)، ومثله في "أسنى المطالب في شرح روض الطالب" (3/430).
وقال ابن عابدين: "والذي ينبغي تحريره: أن يكون له منعها عن كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه، أو ضرره، أو إلى خروجها من بيته.
أما العمل الذي لا ضرر له فيه: فلا وجه لمنعها عنه؛ خصوصا في حال غيبته من بيته، فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان، أو الاشتغال بما لا يعني مع الأجانب والجيران". انتهى من "حاشية ابن عابدين (3/603).
وكذا ذكر الشيخ ابن عثيمين أن الممنوع أن تؤجر المرأة نفسها للعمل عند الآخرين دون إذن زوجها، وأما إذا كانت الإجارة على عمل تقوم به من بيتها فليس له منعها من هذا العمل، إلا إذا قصَّرت في حقه.
فقال: "وقوله: (من إجارة نفسها) يفهم منه أنها لو استُؤجرت على عمل، بأن تكون امرأة خياطة مثلاً، وصارت تخيط للناس بأجرة في بيتها، فليس له منعها، إلا إذا رأى في ذلك تقصيراً منها في حقه فله المنع.
فصارت المرأة إن أجَّرت نفسها فله منعها مطلقاً، حتى لو قالت: أنا أريد أن أؤجر نفسي ما دمت غائباً عن البلد، فله منعها...
أما إذا استؤجِرت على عمل وهي في بيت زوجها، فليس له المنع، إلا إذا قصرت في حقه فله منعها". انتهى من "الشرح الممتع" (12/425)
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم: (223172).
فإذا قلنا: إن لها أن تشتغل في تحفيظ القرآن، ولو لم يأذن الزوج، ما دامت لا تضطر إلى الخروج من منزلها، ولم تقصر في شيء من عمل بيتها، ولا حقوق زوجها؛ فسوف تحتاج إلى أن يكون ذلك في وقت لا يكون زوجها حاضرا، لئلا يرى ذلك عنادا له.
ولكن هل هذا ممكن، وواقعي؟
الذي يظهر أن الأمر أبعد من مسألة الإثم بالمخالفة، فهذه إذا تجاوزناها، وقلنا: إن طاعته غير لازمة في ذلك؛ فسوف تكون هناك صعوبة في إدارة الأمر واقعيا، بما يضمن لها عدم وقوع الشقاق بينها وبين زوجها، لأجل أمر كذلك.
وإلا؛ فإذا قدر أن ذلك سوف ينغص العيش بينك وبين زوجك؛ فإننا لا ننصحك بذلك مطلقا، وليس من الحكمة أن تسعي في هدم بيتك، وحمل زوجك على العناد، إذا كان ذلك يغضبه، لأجل أن تقومي بتحفيظ القرآن؛ والشرع قد بني على تحصيل أعلى المصلحتين، ولو فاتت أدناهما، والعاقل: لا يبني قصرا، ويهدم مصرا!!
وحينئذ؛ فاجتهدي في استصلاح قلب زوجك، وتطييب نفسه، واستعيني على قلبه بدعاء مقلب القلوب والأبصار.
وينظر للفائدة: جواب السؤال رقم (290885).
والله أعلم.