عنوان الفتوى : شكوى المظلوم تباح في مواطن دون مواطن
أنا محبوبة جدًّا من أهلي، وأصدقائي، ومعروف عني أنني أكتم الأسرار، وما يقلقني أن الكل يشكو لي همّه، ويفضح أسرار بيته لي، والله شهيد أنني لا أنشرها، ولا أحدّث بها نفسي، إنما هم يطلبون العون، والنفس التي تخفف عنهم همومهم، وكثيرًا ما يتحدثون عن أشخاص أعرفهم أو لا، فهل تعتبر هذه غيبة، أو نميمة، أم مجرد فضفضة؟ وإن كانت، فهل أصدّهم؟ وكيف أكفّر عن هذا الذنب؟ أفيدوني، وشكرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإنه يجب عليك شرعًا أن تبتعدي عن مثل هؤلاء الجلساء؛ لأنهم خلطاء سوء؛ لأنهم ينتهكون أعراض المسلمين، وهذا من الكبائر التي حرّمها الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، عليكم حرام... رواه البخاري.
وورد في هذا الشأن أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: المسلم من سلم المسلمون من لسانه، ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه. رواه البخاري أيضًا.
وقال الله جل وعلا: وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ [الحجرات:12]، قال الإمام ابن كثير: معناه: كما تكرهون هذا طبعًا، فاكرهوا ذلك شرعًا، فإن عقوبته أشد من هذا.
وأخرج الإمام أحمد من حديث أبي برزة الأسلمي: يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من يتبع عورة أخيه، يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته، يفضحه في جوف بيته.
وفي الصحيحين: وأما هذا، فكان يمشي بالنميمة. وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعذّب بها في قبره، وحديث: تجد من شر الناس يوم القيامة ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه. أخرجه البخاري.
والوعيد في الحديث في أعراض المسلمين، وتتبع عوراتهم، مستفيض متواتر، والاستماع إليه حرام؛ لأنه إعانة على المعاصي، وتشجيع لأصحاب الكبائر، وفاعله شريك في الإثم، فيجب إغلاق الأبواب دون هؤلاء، ونصحهم، وتذكيرهم بقبح صنيعهم، وما ينتظرهم من مقت الله، وسخطه، لعلهم ينتهون، ويجب عليك أن تتوبي إلى الله من سماعك لمثل هذا، وأن لا تعودي لمثله.
والمظلوم إنما يباح له الشكوى، ولو بذكر جناية غيره عليه، لمن يستطيع رفع الضر عنه من قاضٍ، ونحوه، أما أن يفعل ذلك للتسرية عن نفسه، فلا يجوز له ذلك؛ لما فيه من الوقوع في الغيبة، التي لا مسوغ لها.
جعلنا الله وإياك من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساؤا استغفروا، إنه على ذلك قدير، آمين.
والله أعلم.