عنوان الفتوى : هل الوسيلة أعلى درجة في جنة الفردوس الأعلى ؟
هل الوسيلة أعلى درجة في جنة الفردوس الأعلى ؟ وهل ثبت أن أهل البقيع يحشرون مع النبي في أرض المحشر ؟
الحمد لله.
أولا :
روى البخاري (2790) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ ؛ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ ، وَأَعْلَى الْجَنَّةِ ، أُرَاهُ فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ ) .
وقد تقدم بيان أن : " جنّة الفردوس أَعلَى الْجنان وَأَشْرَفهَا وأنورها وأجلّها لقربها من الْعَرْش ".
انتهى من " الفوائد " (ص 27) .
وتقدم أيضا أن الوسيلة درجة في الجنة ، هي أعلى درجاتها ، لا درجة أعلى منها ، لا ينالها إلا رجل واحد ، وهو النبي صلى الله عليه وسلم .
ينظر جواب السؤال رقم (248223) .
وروى الترمذي (3612) عن أبي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَلُوا اللَّهَ لِيَ الوَسِيلَةَ) ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الوَسِيلَةُ ؟ ، قَالَ : ( أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الجَنَّةِ ؛ لَا يَنَالُهَا إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُو َ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وروى أحمد (11783) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الْوَسِيلَةُ دَرَجَةٌ عِنْدَ اللهِ لَيْسَ فَوْقَهَا دَرَجَةٌ ، فَسَلُوا اللهَ أَنْ يُؤْتِيَنِي الْوَسِيلَةَ ).
قال ابن القيم :
" لما كان العرش أقرب إلى الفردوس مما دونه من الجنات ، بحيث لا جنة فوقه دون العرش = كان سقفا له دون ما تحته من الجنات " انتهى، من "حادي الأرواح" (67).
وقال أيضا :
" وسميت درجة النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة ؛ لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن ، وهي أقرب الدرجات إلى الله ، وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب ، وهي فعيلة من وسل إليه ، إذا تقرب إليه ؛ قال لبيد:
بلى كُلُّ ذِي رَأْيٍ إلى الله وَاسِلُ
ومعني الوسيلة من الوصلة ، ولهذا كانت أفضل الجنة وأشرفها وأعظمها نورا " انتهى، من "حادي الأرواح" (79).
وانظر للفائدة جواب السؤال (135085).
وجمع العلماء بين الأحاديث التي فيها أن "الفردوس" أعلى الجنة ، وبين الأحاديث التي فيها أن "الوسيلة" أعلى الجنة ، بأن الفردوس ، عدة درجات ، أعلى درجة فيها هي درجة الوسيلة ، التي هي خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم رحمه الله في نونيته (318) :
لكنما الفــــــــــــــــردوسُ أعلاها وأو... سطها مساكنُ صفوةِ الرحـــمـــنِ
أعلاه منزلةً لأعلى الخلق منـ ... ـــــــزلةً هـــو المبعــــــــــوثُ بالقـــــــــرآنِ
وهي الوسيلة وهي أعلى رتبة ... خلصت له فضلا من الرحمنِ
قال الشيخ محمود خليل هراس -رحمه الله- في شرح النونية (2/357):
"وأعلى منزلة في الفردوس هي الوسيلة ، التي خص الله بها نبينا -صلى الله عليه وسلم-، الذي هو أعلى الخلق منزلةً ، فهي خالصةٌ له من دون الناس ، فضلا من الله عز وجل على حبيبه وأكرم خلقه" انتهى.
وقال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (1/473) : "وجُمع : بأن الفردوس أعلى الجنة ، وفيه درجات أعلاها الوسيلة ، ولا مانع من انقسام الدرجة الواحدة إلى درجات بعضها أعلى من بعض" انتهى .
ثانيا :
لم يثبت أن أهل البقيع يحشرون مع النبي – صلى الله عليه وسلم - في أرض المحشر .
وقد أخرج الترمذي في سننه (6/63) بشار برقم (3692) عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( أَنا أولُ مَنْ تَنْشَقُّ عنه الأرضُ يوم القيامة، ثم أبو بكر، ثم عمر، فنأتي البقيعَ ، فيُحشرون معي، ثم ننتظرُ أهل مَكَّةَ، حتى نحشر بين أهل الحرمين ) .
قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/ 466): " وهو حديث منكر جدًا ".
وأورده ابن الجوزي في "العلل المتناهية في الأحاديث الواهية" (2/432) وقال : " هذا حديث لا يصح ، ومدار الطرق على عبد الله بن نافع ، قال يحيى : ليس بشيء . وقال علي : يروي أحاديث منكرة . وقال النسائي : متروك . ثم مدارها أيضا على عاصم بن عمر ، ضعفه أحمد ويحيى ، وقال ابن حبان : "لا يجوز الاحتجاج به " .
وعاصم بن عمر -الذي عليه مدار الحديث- ذكره ابن حبان في "المجروحين" (2/127) وقال: " منكر الحديث جدا ، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، لا يجوز الاحتجاج به إلا فيما وافق الثقات " .
وقال الشيخ الألباني في "ضعيف موارد الظمآن" (163) : " ضعيف - "الضعيفة" (2949)، لكن الانشقاق عنه - صلى الله عليه وسلم – صحيح " انتهى .
وقد سبق في جواب السؤال (229224): لا نعلم خصوصية لمن يقبر في البقيع ؛ فقد قبر فيها المؤمنون المتقون ، كما قبر بها رأس النفاق عبد الله بن أبيّ ابن سلول ، وغيره من المنافقين .
وقد روى الإمام مالك رحمه الله في "الموطأ" (2842) عن سلمان رضي الله عنه قال : " إِنَّ الْأَرْضَ لاَ تُقَدِّسُ أَحَداً، وَإِنَّمَا يُقَدِّسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ " .
والله أعلم .