عنوان الفتوى : من نوى الجهاد وتأخر لسداد الدين فهل ينال أجر الجهاد في فترة السداد؟
إذا كان المسلم عليه دَيْن يريد سداده، ويسعى لذلك، ويريد بعدها الخروج للجهاد في سبيل الله تعالى ـ في حال كان الجهاد فرض عين ـ فهل في الفترة التي يمكثها قبل الخروج للجهاد يأخذ أجر المجاهدين إن كان عازمًا على الخروج للجهاد، كما في الحديث الذي في الصحيحين: إنَّ بالمدينةِ أقوامًا، ما سِرتُم مسيرًا، ولا قطعتُم واديًا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسولَ اللهِ، وهم بالمدينةِ؟ قال: وهم بالمدينةِ، حبسهُمُ العذرُ؟. وجزاكم الله تعالى خيرًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه يرجي لمن كان عازمًا على الجهاد عزمًا صادقًا وعجز بسببٍ ما أن ينال أجر الجهاد؛ وذلك لما روى البخاري عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا، ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم، قالوا: يا رسول الله: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر.
وروى البخاري مرفوعًا: إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا.
وروى الإمام مسلم عن سهل بن حنيف ـرضي الله عنهـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه.
وفي حديث مسلم: من طلب الشهادة صادقًا أعطيها، ولو لم تصبه.
وقال شيخ الإسلام: وَهَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ: أَنَّ مَنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الْفِعْلِ عَزْمًا جَازِمًا، وَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْهُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْفَاعِلِ.. كَمَا جَاءَ فِي السُّنَنِ: فِيمَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إلَى الْمَسْجِدِ يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ فَوَجَدَهَا قَدْ فَاتَتْ أَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ. اهـ.
واعلم أن الجهاد إما أن يكون واجبًا على سبيل الكفاية, أو على سبيل العينية، ومن شروط الجهاد الكفائي إذن الدائن لمدينه بالجهاد، إلا إذا كان المدين ترك رهنًا أو ضامنًا، فقد ورد في أحاديث رواها البخاري ومسلم: أن الشهيد لا يغفر له الدين غير المقضي عنه.
قال ابن أبي عمر في الشرح الكبير: المدين إذا أراد السفر، وأراد غريمه منعه نظرنا: فإن كان محل الدين قبل محل قدومه من السفر, كمن يسافر إلى الحج لا يقدم إلا في صفر, ودينه يحل في المحرم, فله منعه من السفر؛ لأن عليه ضررًا في تأخير حقه عن محله، فإن أقام ضمينًا مليئًا، أو دفع رهنًا يفي بالدين عند المحل، فله السفر لزوال الضرر بذلك, أما إذا كان الدين لا يحل إلا بعد محل السفر، مثل أن يكون محله في ربيع, وقدومه في صفر, فإن كان سفره إلى الجهاد فلغريمه منعه إلا بضمين, أو رهن؛ لأنه سفر يتعرض فيه لذهاب النفس, فلا يأمن فوات الحق، وإن كان لغير الجهاد فليس له منعه في إحدى الروايتين، وهو ظاهر كلام الخرقي؛ لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله، فلم يملك منعه منه كالسفر القصير, وكالسعي إلى الجمعة، والثانية: له منعه؛ لأن قدومه عند المحل غير متيقن, ولا ظاهر فملك منعه منه كالأول، وقال الشافعي: ليس له منعه من السفر، ولا المطالبة بكفيل إذا كان الدين مؤجلًا بحال, سواء كان الدين يحل قبل محل سفره أو لا، إلى الجهاد أو إلى غيره؛ لأنه لا يملك المطالبة بالدين، فلم يملك منعه من السفر, ولا المطالبة بكفيل, كالسفر الآمن القصير. انتهى.
وأما من تعين عليه الجهاد: فإنه لا يحتاج إلى استئذان دائنه في الخروج؛ لأنه فرض تعلق بعينه، فكان مقدمًا على ما في ذمته, كسائر فروض الأعيان، ولكن صرح فقهاء الحنابلة باستحباب عدم تعرضه لمظان القتل، كمبارزة, ووقوف في أول مقاتلة, ذكر هذا البهوتي في شرح منتهى الإرادات، وجاء في كتاب المستدرك على فتاوى ابن تيمية: وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد, ولا غريم، ونصوص أحمد صريحة بهذا. اهـ.
والله أعلم.