عنوان الفتوى : هل يمكن أن يحصل غير الكتابي إذا أسلم على أضعاف ما يحصل عليه الكتابي من الأجرين؟
هناك ممن اعتنق الإسلام وكان مسيحياً ، أمّا أنا فكنت ملحد ة، فهل سيحصل أولئك على الأجر ضعفين لكونهم كانوا من أهل الكتاب ؟ أسأل الله أن يبارك لهم ، وكل ما في الأمر أني أشعر بشيء من الحزن على نفسي لكمّ المعاناة التي واجهتها حتى تعرفت على الله تبارك وتعالى.
الحمد لله
روى البخاري (3011) ، ومسلم (154) عن أبي موسى عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:
( ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ الأَمَةُ ،
فَيُعَلِّمُهَا فَيُحْسِنُ تَعْلِيمَهَا، وَيُؤَدِّبُهَا فَيُحْسِنُ أَدَبَهَا، ثُمَّ
يُعْتِقُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَمُؤْمِنُ أَهْلِ الكِتَابِ ،
الَّذِي كَانَ مُؤْمِنًا، ثُمَّ آمَنَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَالعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ ، وَيَنْصَحُ
لِسَيِّدِهِ ) .
فمن آمن بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله الأجر مرتين ، مرة لإيمانه
بنبيه عليه السلام ، ومرة بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وسلم ، وهذا موافق لقوله
تعالى :
( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ *
وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا
إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ
مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) القصص/ 52 - 54
وهذا في حق من آمن به من أهل الكتاب خاصة ، فلا يشمل جميع أهل الكفر ، قال الحافظ
ابن حجر رحمه الله :
" الْحَدِيثُ مُقَيَّدٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، فَلَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمْ ،
وَأَيْضًا: فَالنُّكْتَةُ فِي قَوْلِهِ (آمَنَ بِنَبِيِّهِ) الْإِشْعَارُ
بِعِلِّيَّةِ الْأَجْرِ أَيْ أَنَّ سَبَبَ الْأَجْرَيْنِ الْإِيمَانُ
بِالنَّبِيَّيْنِ ، وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا كَذَلِكَ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ:
الْفَرْقُ بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ أَنَّ أَهْلَ
الْكِتَابِ يَعْرِفُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ
اللَّهُ تَعَالَى: ( يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدهم فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
) فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ عَلَى غَيْرِهِ "
انتهى باختصار من "الفتح" (1/ 191) .
ويؤيده ما رواه الإمام أحمد (22234) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: " إِنِّي لَتَحْتَ
رَاحِلَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ ،
فَقَالَ قَوْلًا حَسَنًا جَمِيلًا وَكَانَ فِيمَا قَالَ: ( مَنْ أَسْلَمَ مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ ، وَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ
مَا عَلَيْنَا، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَلَهُ أَجْرُهُ وَلَهُ مَا
لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا ) وحسنه الألباني في "الصحيحة" (304) .
ففرّق بين من أسلم من أهل الكتاب - فجعل له أجره مرتين - وبين من أسلم من المشركين
- فلم يجعل له ذلك .
ولكن كون من أسلم من أهل الكتاب له الأجر مرتين لا يعني أنه أفضل من غيره بإطلاق ،
فقد يسلم غيره من أهل الشرك والكفر ممن ليس من أهل الكتاب ، فيحسن إسلامه ، ويعطى
من الأجر أضعاف ما يعطى من أسلم من أهل الكتاب ، لحسن إسلامه ، وقوة إيمانه ، وأثره
الطيب النافع ، فكم ممن أسلم من الكفار مَن فتح الله به ونفع به ، فأسلم على يديه
بشر كثير ، ودخل بسببه في دين الإسلام أمم غفيرة ، كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما،
وهما أفضل وأعظم أجرا من سلمان الفارسي أو عبد الله بن سلام ونحوهما ممن كان من أهل
الكتاب ، رضي الله عنهم جميعا.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" ليس كل من له أجره مرتين يكون أفضل من غيره " .
انتهى من "فتح الباري" لابن رجب (2/ 232) .
فلك - أيتها الأخت المسلمة - في مستقبل أيامك السلوى ، فإنك إذا أحسنت في إسلامك ،
واجتهدت في العمل الصالح ، وراقبت الله في القول والفعل ، والسر والعلن ، وانشغلت
بدينك وتعلم أحكامه وشرائعه وحفظ كتابه وتعليم ذلك لغيرك : أصبت من الأجر ما لا
يعلمه إلا الله ، وربما كان لك منه أضعاف ما يكون لمن أصاب أجرين .
وإذا كان قد سبق لك المعاناة مع الكفر وأهله حتى منّ الله عليك بالإسلام ، فتعرفي
على نعمة الله ، واشكريه سبحانه على فضله الواسع ، وانشغلي بعبادته وطاعته ، ولا
تظني أن ما فاتك من الأجر لا يمكن تحصيل أفضل منه وأعظم وأكرم ، بل إن تحصيل ذلك
ممكن بفضل الله ، فلا تنشغلي بما فاتك من الأجر ، وانشغلي بما ينبغي ألا يفوتك منه
، وذلك بالعمل الصالح والبر والتقوى .
والله تعالى أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |