عنوان الفتوى : استلام الحجر الأسود والركن اليماني من السنة
أرى الناس وهم يمسكون بالكعبة ويلصقون أجسامهم بها فهل هذا من السنة؟ وأرى أيضاً البعض يضع يده على عتبة باب الكعبة العلوي فماذا يسمى هذا وماحكمه وهل الأثر الموجود في مقام إبراهيم للنبي إبراهيم وما شكله؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:
دلت الأحاديث الصحيحة على أن من السنة استلام الحجر الأسود والركن اليماني، أما الحجر الأسود فالسنة فيه الاستلام والتقبيل، فإن شق ذك استلمه بيده وقبلها، فإن شق اللمس أشار إليه. روى البخاري ومسلم عن عمر رضي الله عنه قال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك). وروى مسلم عن نافع قال: (رأيت ابن عمر استلم الحجر بيده ثم قبل يده، وقال: ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله). وروى البخاري عن ابن عباس قال: (طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده وكبر). وأما الركن اليماني فالسنة فيه الاستلام فقط، دون تقبيل أو إشارة أو تكبير. وروى الإمام أحمد بمسند صحيح عن ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا). ومن السنة كذلك الدعاء والوقوف عند الملتزم فقد روى أبو داود في سننه عن عبد الرحمن بن صفوان قال: (فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد صفوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم). والحطيم هو ما بين الركن (الحجر الأسود) والباب وقيل: هو الحجر الأسود وفي هذا دليل على استحباب وضع الخدود على البيت وهو ما بين الركن والباب ويسمى: الملتزم كما روى الطبراني عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال: الملتزم ما بين الركن والباب. قال ابن القيم: وروى البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم. قال ابن القيم والصحيح أن الحطيم هو الحجر نفسه وهو الذي ذكره البخاري في صحيحه واحتج عليه بحديث الإسراء قال بينما أنا نائم في الحطيم وربما قال: في الحجر. ومما يدل على هذه السنة أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه استلم الحجر وأقام بين الركن والباب فوضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه هكذا وبسطهما بسطا ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله. رواه أبو داود. وأما مقام إبراهيم فإن الله تعالى قال فيه: "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى".[البقرة:125] قال سعيد بن جير: الحجر مقام إبراهيم نبي الله قد جعله الله رحمة، فكان يقوم عليه ويناوله إسماعيل الحجارة. وذكر الإمام ابن كثير في تفسيره الأحاديث والآثار في شأن المقام ثم قال: (فهذا كله يدل على أن المراد بالمقام إنما هو الحَجَر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقوم عليه لبناء الكعبة، لما ارتفع الجدار أتاه إسماعيل عليه السلام به ليقوم فوقه ويناوله الحجارة فيضعها بيده لرفع الجدار، وكلما كمل ناحية انتقل إلى الناحية الأخرى يطوف حول الكعبة، وهو واقف عليه كلما فرغ من جدار نقله إلى الناحية التي يليها وهكذا حتى تم بناء جدران الكعبة وكانت آثار قدميه ظاهرة فيه، ولم يزل هذا معروفا تعرفه العرب في جاهليتها، ولهذا قال أبو طالب في قصيدته المعروفة اللامية: وموطئ إبراهيم في الصخر رطبةعلى قدميه حافياً غير ناعل وقد أدرك المسلمون ذلك فيه أيضا. انتهى محل الغرض من كلام ابن ابن كثير. والسنة أن يصلي الطائف خلفه ركعتين إذا فرغ من طوافه، وليس من السنة التمسح ولا الطواف به. قال قتادة: إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه، وما يظنه بعض العامة من كونه قبراً لإبراهيم عليه السلام باطل لا أساس له من الصحة، وقانا الله وإياكم شرالمحدثات والله تعالى أعلم.