عنوان الفتوى : فعل المكلف لشيء مشكوك في تحريمه.. رؤية شرعية
ما حكم من يفعل شيئا يشك في كونه حراما؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لمسلم أن يقدم على فعل ما يشك في تحريمه، حتى يتثبت بسؤال أهل العلم، فإن سؤال العلماء والرجوع إليهم، واجب على كل من خفي عليه حكم الشرع؛ قال تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}.
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله: وَهَذَا يُلْزِمُ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ إِذَا جَهِلَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ دِينِهِ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ. وَقَالَتْ عَائِشَةُ: رَحِمَ اللَّهُ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنْ أَمْرِ دِينِهِنَّ. انتهى.
وقال القاضي البيضاوي في الإبهاج: القاعدة المشهورة هي أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعرف حكم الله فيه. وقد حكى الشافعي في الرسالة الإجماع على هذه القاعدة، وكذلك حكاه الغزالي. انتهى.
فإذا تبين لك أن الشخص لا يجوز له الإقدام على فعل حتى يعلم حكم الشرع فيه بسؤال أهل العلم، فمن لم يستبن له الحكم، أو لم يتيسر له سؤال عالم يوثق به، فالأولى له اتقاء ما اشتبه عليه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. متفق عليه.
وقد قسم ابن المنذر الشبهات إلى ثلاثة أقسام: الأول: شيء يعلمه المرء حراماً، ثم يشك فيه هل هو باق على حرمته أم لا؟ فلا يحل الإِقدام عليه إلاّ بيقين؛ كشاتين ذبح إحداهما كافرٌ، وشككنا في تعيينها.
الثاني: أن يكون الشيء حلالاً فيشك في تحريمه كالزوجة، يشك في طلاقها، فلا يعتبر ذلك، ولا أثر له.
الثالث: شيء يشك في حرمته وحله على السواء، فالأوْلى التنزه عنه، كما فعل رسول الله في التمرة الساقطة، حيث تركها خشية أن تكون من تمور الصدقة. اهـ.
واتقاء هذا النوع الأخير مستحب على أرجح الأقوال، وفعله مكروه، وقد قال سفيان: لا يصيب عبد حقيقة الإِيمان حتى يدع الإِثم وما تشابه منه. انتهى من منار القاري في شرح صحيح البخاري.
والله أعلم.