عنوان الفتوى : مشروعية دعاء نزول المكان.. فوائده وغايته
هل يقال دعاء نزول المكان عند الدخول إلى الجامعة؟ وهل أقوله عند الدخول إليها فقط، أم عند دخول أي مكان فيها أيضًا – مثل: الكفتيريا، والاستراحة، والمصلى، والقاعة - أم يقال مرة واحدة فقط عند دخول الجامعة - أي في ساحتها -؟ وهل يقال عند زيارة الناس في منازلهم، أم يقال عند دخول العمارة، ويكتفى بذلك الدعاء عند دخول العمارة؛ ليحفظ الإنسان من الشر؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت الجامعة في بلدة، أو قرية غير بلدتك، شُرِع لك إذا أردت دخول البلدة - حتى قبل الوصول إلى الجامعة - أن تقولي دعاء دخول القرية، وهو ما رواه النسائي في عمل اليوم والليلة، وابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني: عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ كَعْبًا حَلَفَ لَهُ بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِمُوسَى أَنَّ صُهَيْبًا حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَرَى قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا، إِلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ، وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ، وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ، وَمَا ذَرَيْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ، وَمَا أَضْلَلْنَ، نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا.
وأما دعاء نزول المكان، وهو ما رواه مسلم عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ. فهذا يقال في مكان نزله الإنسان في حضر، أو سفر، فيشرع لك الدعاء به عند دخول الجامعة.
قال الزرقاني في شرح الموطأ: وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِمَنَازِلِ السَّفَرِ، بَلْ عَامٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ جَلَسَ فِيهِ، أَوْ نَامَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَهَا عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلسَّفَرِ، أَوْ عِنْدَ نُزُولِهِ لِلْقِتَالِ الْجَائِزَ. قَالَهُ الْأَبِيُّ.
قال ابن علان في دليل الفالحين: (من نزل منزلاً) أيّ منزل كان، فالتنوين للتنكير، والشيوع .
وقال القاري في المرقاة: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: فِي سَفَرِهِ، أَقُولُ: وَكَذَا فِي حَضَرِهِ; إِذْ لَا وَجْهَ لِلتَّقْيِيدِ مَعَ التَّنْكِيرِ.... (حَتَّى يَرْتَحِلَ) أَيْ: يَنْتَقِلَ (مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ).
وعليه؛ فيشرع أن يُقال الذكر عند دخول الجامعة؛ حتى تنتقلي منها، كما أشار القاري، فيقال أول الدخول فقط، لا في كل موضع، كما أن المسافر يقوله أول ما ينزل، لا كلما ذهب يجمع حطبًا، أو يقضي غرضًا، طالما كان في نفس المنزل.
وقيد بعض العلماء الحديث بما إذا كان المكان مظنة الحشرات المؤذية؛ قال الزرقاني في شرح الموطأ: (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا) مَظِنَّةً لِلْهَوَامِّ، وَالْحَشَرَاتِ، وَنَحْوِهَا مِمَّا يُؤْذِي، وَلَوْ فِي غَيْرِ سَفَرٍ.
وأما إذا زار إنسانًا في منزله، أو ذهب إلى بيته، فظاهر الحديث - والله أعلم - ينطبق على المنزل، لا على العمارة؛ لأن من دخل العمارة لم ينزل بعد، بخلاف من دخل البيت؛ جاء في فتاوى نور على الدرب للعثيمين - رحمه الله -: يقول بعض الناس: إذا سكن منزل جديد لا بد وأن يذبح بداخله ذبيحة، أو ذبيحتان؛ خوفًا من مس الجن، اعتقادًا منهم بذلك. نرجو بهذا إفادة؟
فأجاب - رحمه الله تعالى -: ذبح الإنسان عند نزوله للمنزل أول مرة اتقاء الجن، وحذرًا منهم محرم لا يجوز، بل أخاف أن يكون من الشرك الأكبر، ولا يزيد الإنسان إلا شرًّا ورعبًا ورهبًا، قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) والإنسان إذا نزل منزلًا ينبغي أن يقول ما جاءت به السنة: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق).
فظاهر الفتوى أنه عند دخول المنزل، لا العمارة.
والله أعلم.