عنوان الفتوى : الرغبة عن الزواج لتجنيب الذرية مشاق الدنيا وأهوال الآخرة
ما حكم منع الزواج والإنجاب، ورفض هذه الفكرة نهائيا بسبب أن الحياة مليئة بالتعب؛ قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في كبد) مثل الفقر والمرض وخلافه، وصعوبة الأعمال والوظائف، والجو الحار جدا في الصيف، والبارد جدا في الشتاء. ومن وجهة نظري التكاليف الدينية متعبة جدا مثل الصلاة (وخصوصا الفجر) والصيام، والحج. كما أنك عندما تسمع عن عذاب القبر، وأهوال يوم القيامة والحشر وخلافه عندما تسمع كل ذلك تجد أنه من الأفضل عدم إنجاب أطفال وإدخالهم في هذه المنظومة المتعبة. فأعتقد أن أي عاقل سيرى أن عدم إنجابهم هي راحة لهم من هذه الحياة وبعد الممات. فما رأيكم في ذلك؟ وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فالنظرة إلى الحياة بتلك النظرة السلبية لا ينبغي للمسلم أن يكون لها محل في عقله وقلبه, وقد ذكر الأخ السائل في سؤال سابق أنه يعاني من المرض نسأل الله له الشفاء, ويبدو أن ما يعانيه من المرض أثر على نظرته إلى الحياة, والذي يمكننا قوله له: هو أن الحياة وإن كان فيها مشاق ومتاعب؛ إلا أن الله تعالى أنعم فيها على عباده من المتاع الحسن ما يقابل تلك المتاعب, وجعل لهم من النعم ما يواجهون به تلك المشاق ويخفف عنهم عبئها, فجعل للداء الدواء، وجعل للعسر يسرين، ووعد الصابرين بالثواب الجزيل، وجعل التكاليف الشرعية في مقدور الإنسان واستطاعته، وإذا بلغ شيء منها درجة المشقة غير المحتملة جاء التخفيف منها إما بتأجيلها إلى وقت القدرة أو بإسقاطها بالكلية أو إلى بدل مقدور علي،ه وجعل لذة القلب وراحته في القيام بأمره, ومن وجد عبئا في تلك التكاليف مع يسرها فليراجع قلبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن استثقال صلاة الفجر والعشاء { إِنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا } متفق عليه .
وأما عذاب القبر والقيامة والأهوال فإن الله تعالى لم يخلق عباده ليعذبهم, بل ليأمرهم بما فيه خير لهم وينهاهم عما فيه شر لهم, وجعل سبحانه مقابل عذاب القبر نعيمه، ومقابل الفزع يوم القيامة الأمان فيها، ومقابل النار جنته ورضوانه، وبين لهم سبيل النجاة وأمرهم بسلوكه ورغبهم فيه، وحذرهم من سبيل الهلاك وأمرهم باجتنابه، وأخبرنا أنه أرحم الراحمين وجعل أبواب الجنة أكثر من أبواب النار، فعلام النظرة إلى الحياة بعين واحدة, وتلك النظرة المتشائمة الداعية إلى قطع النسل والتبتل مخالفة لسنة النبي صلى الله عليه ولم , ولو كانت صحيحة لرغبنا في قطع النسل والتبتل، ولكنه على العكس من ذلك رغبنا في الزواج والإنجاب فقال: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ. رواه أبو داود والنسائي , وعند أحمد من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنْ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ إِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. اهــ
والفرار من الإنجاب لن يؤخر شيئا قدره الله تعالى، فمن قدر الله له الإنجاب تزوج ووُلِدَ له , ومن لم يقدر له الإنجاب لن يولد له ولو تزوج، فهذا أمر مقدر، ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن العزل؟ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ خَلْقَ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ. رواه مسلم , وعند أبي داود بلفظ : لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ.
والله تعالى أعلم.