عنوان الفتوى : كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يثني على ربه تعالى في خطبه ودعائه؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

قرأت فى الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يخطب في الناس ، كان "يحمد الله عز وجل ويثنى عليه بما هو أهله " ، فهل رُوى في الأحاديث الصحيحة ماذا كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما يثنى على الله جل شأنه بما هو أهله ؟ إن كانت الإجابة بنعم، فأرجو منكم كتابة كل ما ثبت في ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على رب العزة سبحانه . وهل لي أن أستفيد بمثل هذا الثناء ، كأن أقوله في دعاء الاستفتاح في الصلاة مثلا أو قبل أن أدعو الله عز وجل ؟

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله.


أولا :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخطب خطبة إلا ابتدأها بالحمد لله والثناء عليه بما هو أهله ، وهذا ثابت في أحاديث كثيرة ، في الصحيحين وغيرهما .
وقد روى أبو داود (4841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ( كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ، فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .
( فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ ) أَيْ: الْمَقْطُوعَةِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا لِصَاحِبِهَا .
والتشهد يطلق على الشهادة لله تعالى بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) ، ثم صار يستعمل كل ثناء على الله وحمدٍ له . انظر : " فيض القدير" (5/24) .
ومعنى الحديث : أن الخطبة التي ليس فيها ثناء على الله تعالى ليس فيها فائدة ، وأعظم الثناء لله تعالى الشهادة لله بالوحدانية .
ولذلك قال ابن القيم رحمه الله :
" كَانَ صلى الله عليه وسلم لَا يَخْطُبُ خُطْبَةً إِلَّا افْتَتَحَهَا بِحَمْدِ اللَّهِ " .
انتهى من "زاد المعاد" (1/ 179) .
وقال ابن رجب رحمه الله :
" خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كانت تشتمل على حمد الله والثناء عليه بما هو أهله ، وعلى الشهادة لله بالتوحيد ، ولمحمد بالرسالة " انتهى من " فتح الباري" لابن رجب (8/ 267).
وكان صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يبتدئ خطبته بما يعرف بــ " خطبة الحاجة " وهي أحسن ما ورد في حمد الله والثناء عليه .
ولفظها : ( إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ) رواه أبو داود (2118) ، والنسائي (1578) ، وابن ماجة (1892) .
وهذه الخطبة لعظمها فإنها تستحب أن تذكر قبل عقد النكاح وفي مجالس الصلح بين المتنازعين، وافتتح العلماء بها كتبهم وخطبهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّتْ وَفُعِلَتْ فِي مُخَاطَبَةِ النَّاسِ بِالْعِلْمِ عُمُومًا وَخُصُوصًا: مِنْ تَعْلِيمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْفِقْهِ فِي ذَلِكَ ، وَمَوْعِظَةِ النَّاسِ وَمُجَادَلَتِهِمْ ، أَنْ يَفْتَتِحَ بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ الشَّرْعِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (18/ 287) .
وينظر لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (105393) .
ثانيا :
دعاء الاستفتاح وردت له صيغ كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، راجع " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " للشيخ الألباني رحمه الله .
فيستفتح المصلي ببعضها ، ويقتصر عليها ، وينوع بينها ، فتارة يأتي بهذا ، وتارة يأتي بهذا ، ولا يستفتح بغير ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي ) رواه البخاري (631) ، فلا ينبغي للمسلم أن يترك أدعية الاستفتاح الواردة في السنة ، ويستفتح بخطبة الحاجة مثلا .
وقد سبق ذكر بعض أدعية الاستفتاح في الفتوى رقم : (66558) .
ثالثا :
يسن افتتاح الدعاء بالثناء على الله تعالى .
قَال النَّوَوِيُّ رحمه الله : " أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ ابْتِدَاءِ الدُّعَاءِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انتهى من " الأذكار" (ص117) .
ويحصل الثناء على الله تعالى بأي ألفاظ فيها وصف الله تعالى بالكمال وتنزهه عن النقص . ( كالحمد لله ، وسبحان الله) ونحو ذلك .
وأدعية النبي صلى الله عليه وسلم مليئة بالثناء على الله تعالى ، بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، منها :
( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) رواه البخاري (6346) ، وكان يقوله عند الكرب .
( اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ وَرَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَفَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ ، أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ ، وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ ، وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ ، وَالْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ ، اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ ، وَأَغْنِنِي مِنْ الْفَقْرِ ) كان يأمر به صلى الله عليه وسلم أن يقوله المسلم إذا أخذ مضجعه (عند النوم) ، رواه الترمذي (3400) وصححه الألباني .
والنصيحة للسائلة أن تقتني كتاب الأذكار للنووي رحمه الله فقد جمع فيه ما كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات والأحوال المختلفة .
والله أعلم .