عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى : (فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ)

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ذكر القراّن أن اّدم وحواء نزلا إلى الأرض وبدت عوراتهما فأسرعا يغطيان عوراتهما من أوراق الجنة ، هل كان على الأرض يوجد أوراق من الجنة ، أم سقطت معهما ؟ أعلم أن الله طرد إبليس من الجنة ثم ذكر الله إن الشيطان وسوس لادم وحواء من أين أتى الشيطان إذا كان قد تم طرده ؟ أنا أقرأ القراّن مع التفسير فيحصل عندي أحيانا التباس.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق


الحمد لله
أولا :
الصواب : أن الجنة التي أسكن الله آدم وحواء إياها هي جنة الخلد التي في السماء ، وليست بجنة في الدنيا ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الْجَنَّةُ الَّتِي أَسْكَنَهَا آدَمَ وَزَوْجَتَهُ ، عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ : هِيَ جَنَّةُ الْخُلْدِ " انتهى من " مجموع الفتاوى " (4 /347) .
وانظر لمعرفة الأدلة على ذلك جواب السؤال رقم : (218371).
وعليه : فقوله تعالى : ( فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ) الأعراف/ 22 إنما حصل في الجنة التي في السماء ، لما أكلا من الشجرة بدت لهما عوراتهما ، ولما ظهرت عوراتهما خجلا ، وجعلا يغطيان عوراتهما بأوراق شجر الجنة .
فعلى هذا : يكونان قد أخذا من ورقها ، وجعلا يستران به عوراتهما حياء وخجلا ، وهذا كله واضح ، لا إشكال فيه .

وعلى القول بأنها جنة في الأرض - وهو قول مرجوح - : يكونان قد أخذا من ورق هذه الجنة الأرضية ، وجعلا يستران به عوراتهما .

وأما القول بأنهما كانا في الأرض ، واستترا بورق من شجر جنة الخلد ، كان قد نزل معهما ، أو كان من شجر جنة الخلد في الدنيا : فهذا لا نعلم أن أحدا قال به أصلا ، وهو تكلف واضح ، لا وجه له ، ولا حاجة إليه .

ثانيا :
لا إشكال فيما استشكله السائل حول كيفية وسوسة إبليس لآدم وحواء عليهما السلام وقد طرده الله من الجنة ، لإمكان أن يقف إبليس خارج الجنة قريباً من طرفها ، بحيث يسمع آدم كلامه وهو في الجنة ، وإمكان أن يدخله الله إياها لامتحان آدم وزوجه ، لا لكرامة إبليس ، فإن الشياطين تدخل المساجد وتوسوس للمصلين ، والمساجد بيوت الله التي أذن أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، ومع ذلك فلا إشكال في دخول الشياطين المساجد ، لحصول الابتلاء بهم ، فتظهر أنواع من العبودية لم تكن لتظهر إلا بذلك ، من مجاهدة النفس والشيطان وحصول تمام الخشوع بالمجاهدة ، والعمل على تدبر القرآن ، واستحضار القلب بين يدي الله في الصلاة ، إلى غير ذلك .
وانظر حول هذه المسألة : جواب السؤال رقم : (111596).

ثالثا :
الالتباس الذي يحصل لك أحيانا عند قراءة كتب التفسير والنظر في معاني القرآن علاجه بما يلي :
- استعذ بالله من الشيطان الرجيم ، واسأل الله تعالى العصمة منه ، واسأله سبحانه فهم كتابه .
- لا تكثر من إيراد التساؤلات والإشكالات على نفسك ، فإن هذا القرآن سهل طيب مبارك ، فافهم من معانيه ما يمكن أن يحيط به عقلك ، وإذا أشكل عليك شيء فرده إلى عالمه ، فتجمع بين فائدة النظر في كتب أهل العلم ، ومطالعة كلامهم ، وبين السؤال المباشر ، والسماع منهم ، خاصة فيما أشكل أمره عليك .
روى أحمد (6702) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِه ِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً - أي ناحية - ، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ ، فَتَمَارَوْا فِيهَ ا، حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا ، قَدِ احْمَرَّ وَجْهُهُ ،
يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ ، وَيَقُولُ : ( مَهْلًا يَا قَوْمِ ، بِهَذَا أُهْلِكَتِ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُم ْ، بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، وَضَرْبِهِمُ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ ، فَاعْمَلُوا بِهِ ، وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ ، فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ ). وصححه محققو المسند .
والله تعالى أعلم .