عنوان الفتوى : والد زوجها يعتقد أن عدم لُبسها للأسورة يسبب قِصَر عُمُر زوجها
قال لي أبو زوجي : إنه يجب علي لبس الأسورة طيلة الوقت ، وإذا لم أفعل فإن حياة زوجي ستتناقص وتقل ، وقال : بأن هذا أمر تعلمه من الكبار في السن ، فقلت له : إن هذه خرافة ، وإن الإسلام ينافي ذلك ، فقال لا بدَّ من اتباع آراء الكبار والأخذ بتعاليمهم ، فما نصيحتكم ؟
الحمد لله
أولا :
من الأمور المقررة لدى المسلم أن الله قدر مقادير الخلائق عنده ، من قبل أن يخلقوا
بزمن سحيق .
ثم قدر ذلك ، تقديرا آخر ، وكتبه لكل إنسان ، وهو في بطن أمه ؛ ففي حديث عبد الله
بن مسعود رضي الله عنه :
" حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ
الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ : ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ
مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ .
ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ ، فَيُكْتَبُ
عَمَلُهُ ، وَأَجَلُهُ ، وَرِزْقُهُ ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ
الرُّوحُ .. ) متفق عليه .
ولهذا لما قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ ، زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ ) .
قَالَ لها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ
لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ ، لَنْ
يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ ، وَلَوْ
كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ ، أَوْ عَذَابٍ
فِي الْقَبْرِ ؛ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ ) رواه مسلم (2663) .
هذا والدعاء من أعظم أسباب حصول المطلوب ، والنجاة من المرهوب ؛ لكنه أخبرها أنه لا
يغير في العمر الذي هو في معلوم الله أن يكون للعبد ؛ فكيف بطلب زيادة ذلك أو
نقصانه ، بسبب غير مشروع ، بل بسبب بدعي شركي .
قال النووي رحمه الله :
" وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ مُقَدَّرَةٌ لَا
تَتَغَيَّرُ عَمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعَلِمَهُ فِي الْأَزَلِ ،
فَيَسْتَحِيلُ زِيَادَتُهَا وَنَقْصُهَا حَقِيقَةً عَنْ ذَلِكَ " .
انتهى من " شرح مسلم " (1/152) .
ثانيا :
هذه الأسورة : إذا كانت تلبس بغرض إطالة العمر ، عمر من يلبسها أو غيره ، أو كانت
تلبس لأجل ذلك من المقاصد الاعتقادية ، من جلب نفع ، أو دفع ضر ، ولم تكن لمجرد
الزينة ؛ فإن لبسها بهذا الغرض : محرم ، وهي من " التمائم " التي كان يتعلقها أهل
الجاهلية لذلك الغرض .
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ
وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ ) رواه أبو داود (3883) وغيره ، وصححه الألباني في " صحيح
الجامع " (1632).
التمائم : جمع تميمة وهي ما يعلق بأعناق الصبيان أو الكبار أو يوضع على البيوت أو
السيارات من خرزات وعظام لدفع الشر - وخاصة العين - ، أو لجلب النفع .
وينظر جواب السؤال رقم : (10543) ، ورقم :
(126359) .
ثالثا :
لا يجوز طاعة والد الزوج ، أو الوالد ، أو غيرهما من الكبار ، فيما يأمر به الشخص
من معصية الله ؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ؛ وإنما الطاعة في المعروف ،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
لكننا ننصحك بأن تتلطفي في بيان الحكم الشرعي لوالد زوجك ، وإذا أمكنك أن تطلعيه
على بعض أقوال أهل العلم وفتاواهم في ذلك الشأن فهو حسن ، واستعيني أيضا بزوجك في
نصحه وبيان الحكم الشرعي في مثل ذلك .
يسر الله لك أمرك ، وأعانك على سداد القول والعمل .
والله أعلم .