عنوان الفتوى : شبهة حول القول بتحريم زيارة النساء القبور وردّها .
هل الحديث رقم 1392 في مستدرك الحاكم الذي يتحدث عن زيارة النساء للمقابر حديث صحيح أم ضعيف ؟
الحمد لله.
أولا :
اُخْتُلِفَ فِي زِيَارَة النِّسَاء لِلْمَقَابِرِ عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال . أَحَدهَا : التَّحْرِيم , وَالثَّانِي : يُكْرَه مِنْ غَيْر تَحْرِيم . وَالثَّالِث : أَنَّهُ مُبَاح لَهُنَّ غَيْر مَكْرُوه .
"تهذيب السنن" - لابن القيم (2 /106-107) .
وقد سبق في الموقع اختيار القول بالتحريم ، انظر جواب السؤال رقم : (8198) ، (34464) .
ثانيا :
مما احتج به القائلون بالإباحة : ما رواه الحاكم (1392) ، ومن طريقه البيهقي (7207) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ : " أَنَّ عَائِشَةَ أَقْبَلَتْ ذَاتَ يَوْمٍ مِنَ الْمَقَابِرِ ، فَقُلْتُ لَهَا : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتِ ؟ قَالَتْ : مِنْ قَبْرِ أَخِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، فَقُلْتُ لَهَا : أَلَيْسَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، كَانَ قَدْ نَهَى ، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا " .
وهو حديث صحيح الإسناد ، رجاله كلهم ثقات . قال الحافظ العراقي :
" أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا فِي الْقُبُور بِإِسْنَاد جيد " .
"تخريج أحاديث الإحياء" (ص 1872) .
وصححه الألباني في "الإرواء" (3/233) .
ورواه ابن ماجة (1570) مختصرا ، ولفظه : عَنْ عَائِشَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ " .
وصححه البوصيري في "الزوائد" (2/42) .
ورواه الترمذي (1055) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ولفظه : قَالَ: " تُوُفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِحُبْشِيٍّ ، قَالَ: فَحُمِلَ إِلَى مَكَّةَ ، فَدُفِنَ فِيهَا ، فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ أَتَتْ قَبْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَقَالَتْ:
وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ حِقْبَةً مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا
فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا كَأَنِّي وَمَالــــــــــــــِكًا لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعَا
ثُمَّ قَالَتْ: " وَاللَّهِ لَوْ حَضَرْتُكَ مَا دُفِنْتَ إِلَّا حَيْثُ مُتَّ ، وَلَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ " .
وضعف الألباني هذه الرواية في "ضعيف الترمذي" .
وقد أجاب المانعون من زيارة
المقابر عن هذا الحديث بأجوبة ، منها :
- أنها لم تخرج إليه للزيارة ، وإنما خرجت للحج فمرت بقبره فوقفت عليه للدعاء له .
- ومنها أنه على فرض أنها قصدت الزيارة ، فهو اجتهاد منها رضي الله عنها لا يعارض
الأخبار الثابتة التي وردت في نهي النساء عن زيارة القبور.
- ومنها أن قولها : ( كَانَ قَدْ نَهَى ، ثُمَّ أُمِرَ بِزِيَارَتِهَا ) خبر عام ،
لم تتعرض فيه لحكم زيارة النساء خاصة ، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم : ( كنت
نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا ) رواه مسلم (977) . قال ابن
القيم رحمه الله : " ... وَعَائِشَة إِنَّمَا قَدِمَتْ مَكَّة لِلْحَجِّ ,
فَمَرَّتْ عَلَى قَبْر أَخِيهَا فِي طَرِيقهَا ، فَوَقَفَتْ عَلَيْهِ , وَهَذَا لَا
بَأْس بِهِ , إِنَّمَا الْكَلَام فِي قَصْدهنَّ الْخُرُوج لِزِيَارَةِ الْقُبُور ،
وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهَا عَدَلَتْ إِلَيْهِ وَقَصَدَتْ زِيَارَته , فَهِيَ قَدْ
قَالَتْ " لَوْ شَهِدْتُك لَمَا زُرْتُك " ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ
الْمُسْتَقَرّ الْمَعْلُوم عِنْدهَا : أَنَّ النِّسَاء لَا يُشْرَع لَهُنَّ
زِيَارَة الْقُبُور , وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلهَا ذَلِكَ مَعْنًى . وَأَمَّا
رِوَايَة الْبَيْهَقِيِّ , وَقَوْلهَا " نَهَى عَنْهَا ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا
" : ... لَوْ صَحَّ ؛ فَهِيَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ غَيْرهَا مِنْ دُخُول
النِّسَاء , وَالْحُجَّة فِي قَوْل الْمَعْصُوم , لَا فِي تَأْوِيل الرَّاوِي ,
وَتَأْوِيله إِنَّمَا يَكُون مَقْبُولًا , حَيْثُ لَا يُعَارِضهُ مَا هُوَ أَقْوَى
مِنْهُ , وَهَذَا قَدْ عَارَضَهُ أَحَادِيث الْمَنْع " انتهى من" تهذيب السنن "
(2/110-111) .
وينظر : "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين " (9/ 430) ، " فتاوى اللجنة الدائمة " (9/
103) .
والله تعالى أعلم .