عنوان الفتوى : الرد على من زعم أن سبب قسوة أهل مكة هو مجاورتهم للحَجَر أي (الكعبة)
نشر أحد الإخوة مقالا جاء فيه: سُئل الشيخ العالم "محمد أبيض الوجه البكري الصديقي" ذات مرة: لم كان في أهل مكة قسوة القلوب, وفي أهل المدينة لينها ؟ فقال: لأن أهل مكة جاوروا الحجر, وأهل المدينة جاوروا البشر. ويعني بالحجر: الكعبة, والبشر: رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا السؤال نقله العيدروس في كتابه: (النور السافر عن أخبار القرن العاشر) عند ترجمة محمد البكري الصديقي الشافعي حيث قال: وسئل رضي الله عنه: لم كان في أهل مكة قسوة القلب، وفي أهل المدينة لينها؟ فقال: لأن أهل مكة جاوروا الحجر، وأهل المدينة جاوروا البشر. انتهى.
فظاهر كلامه أنه أراد بالحجر الكعبة، وبالبشر النبي صلى الله عليه وسلم. والمحظور في هذا الكلام - إن كان ذلك هو المراد به - أن ظاهره أنه جعل الكعبة حجرا يقسو قلب من جاوره. وكيف يصح ذلك وقد طهر الله البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود، وجعل قيام دين الناس وتمام إسلامهم بتعظيمه، فقال سبحانه: { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }. وقال تعالى: { جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ }.
قال العلامة السعدي -رحمه الله- في تفسيره: يخبر تعالى أنه جعل { الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ }. يقوم بالقيام بتعظيمه دينُهم ودنياهم، فبذلك يتم إسلامهم، وبه تحط أوزارهم، وتحصل لهم - بقصده - العطايا الجزيلة، والإحسان الكثير، وبسببه تنفق الأموال، وتتقحم - من أجله - الأهوال. ويجتمع فيه من كل فج عميق جميع أجناس المسلمين، فيتعارفون، ويستعين بعضهم ببعض، ويتشاورون على المصالح العامة، وتنعقد بينهم الروابط في مصالحهم الدينية والدنيوية. انتهى.
وهي مع ذلك في أحب البقاع إلى الله تعالى؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: وَاَللَّه إِنَّك لَخَيْر أَرْض اللَّه، وَأَحَبّ أَرْض اللَّه إِلَى اللَّه، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هُوَ حَدِيث حَسَن صَحِيح.
ولا شك أن خيرية الأرض مؤثرة في القلب ولينه، وقربه من ربه، وتعظيمه شعائره.
قال الدهلوي في حجة الله البالغة: إنما فضل مسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم، والمسجد الحرام بمضاعفة الأجر لمعان، منها: أن هنالك ملائكة موكلة بتلك المواضع يحفون بأهلها ويدعون لمن حلها. ومنها: أن عمارة تلك المواضع من تعظيم شعائر الله وإعلاء كلمة الله. ومنها: أن الحلول بها مذكر لحال أئمة الملة. انتهى.
وبناء على ما سبق يعلم أن طلبك - حذف ذلك الكلام - صواب.
والله أعلم.