عنوان الفتوى : لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلا أبي بن خلف بحربة رماه بها يوم أحد
سؤالي هو: هل ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاتل بالسيف؟ وهل ثبت أنه قتل أحداً بالسيف؟ وإذا لم يثبت أنه قتل أحدا بالسيف فكيف كان جهاده صلى الله عليه وسلم؟ أتمنى أن أجد إجابة وافية، لأنه قد حدث لنا بعض اللبس في مسجدنا وأخذ هذا الأمر لغطا وأريد أن أعرف الصواب، وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل أحدا بالسيف، وإنما قتل أبي بن خلف بحربة رماه بها، وقد قتله يوم أحد بعد أن أقبل أبي يبحث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول: لا نجوت إن نجا ـ قال عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه: وأما أبي بن خلف فقال: والله لأقتلن محمداً، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بل أنا أقتله ـ إن شاء الله ـ قال: فانطلق رجل ممن سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن خلف فقيل له: لما قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم ما قلت قال: بل أنا أقتله ـ إن شاء الله ـ فأفزعه ذك، وقال: أنشدك بالله أسمعته يقول ذلك؟ قال: نعم، فوقعت في نفسه، لأنهم لم يسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قولاً إلا كان حقاً، فلما كان يوم أحد خرج أبي بن خلف مع المشركين فجعل يلتمس غفلة النبي صلى الله عليه وسلم ليحمل عليه، فيحول رجل من المسلمين بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: خلوا عنه فأخذ الحربة فجزله بها ـ يقول رماه بها ـ فيقع في ترقوته تحت تسبغة البيضة وفوق الدرع فلم يخرج منه كبير دم واحتقن الدم في جوفه فجعل يخور كما يخور الثور، فأقبل أصحابه حتى احتملوه وهو يخور وقالوا: ما هذا؟ فوالله ما بك إلا خدش، فقال: والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني، أليس قد قال أنا أقتله إن شاء الله؟ والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم، قال: فما لبث إلا يوماً أو نحو ذلك حتى مات إلى النار... اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمل الناس في هذه الشجاعة التي هي المقصودة في أئمة الحرب ولم يقتل بيده إلا أبي بن خلف قتله يوم أحد، ولم يقتل بيده أحدا لا قبلها ولا بعدها. انتهى من منهاج السنة النبوية.
وأما عن جهاده صلى الله عليه وسلم: فقد شارك صلى الله عليه وسلم في جميع أنواع الجهاد، كما قال ابن القيم في الزاد: لما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلها فجاهد في الله حق جهاده بالقلب، والجنان، والدعوة، والبيان، والسيف، والسنان، وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد، بقلبه، ولسانه، ويده، ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا، وأعظمهم عند الله قدرا، وأمره الله تعالى بالجهاد من حين بعثه، وقال: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا {الفرقان: 51ـ 52} فهذه سورة مكية أمر فيها بجهاد الكفار، بالحجة، والبيان وتبليغ القرآن، وكذلك جهاد المنافقين، إنما هو بتبليغ الحجة، وإلا فهم تحت قهر أهل الإسلام، قال تعالى: يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير {التوبة: 73} فجهاد المنافقين أصعب من جهاد الكفار، وهو جهاد خواص الأمة، وورثة الرسل، والقائمون به أفراد في العالم، والمشاركون فيه، والمعاونون عليه، وإن كانوا هم الأقلين عددا، فهم الأعظمون عند الله قدرا، ولما كان من أفضل الجهاد قول الحق مع شدة المعارض، مثل أن تتكلم به عند من تخاف سطوته وأذاه، كان للرسل صلوات الله عليهم وسلامه من ذلك الحظ الأوفر، وكان لنبينا صلوات الله وسلامه عليه من ذلك أكمل الجهاد وأتمه...... وأكمل الخلق عند الله، من كمل مراتب الجهاد كلها، والخلق متفاوتون في منازلهم عند الله، تفاوتهم فى مراتب الجهاد، ولهذا كان أكمل الخلق وأكرمهم على الله خاتم أنبيائه ورسله، فإنه كمل مراتب الجهاد، وجاهد في الله حق جهاده، وشرع في الجهاد من حين بعث إلى أن توفاه الله عز وجل، فإنه لما نزل عليه: يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر {المدثر: 1ـ 4} شمر عن ساق الدعوة، وقام في ذات الله أتم قيام، ودعا إلى الله ليلا ونهارا، وسرا وجهارا، ولما نزل عليه: فاصدع بما تؤمر {الحجر: 94} فصدع بأمر الله لا تأخذه فيه لومة لائم، فدعا إلى الله الصغير والكبير، والحر والعبد، والذكر والأنثى، والأحمر والأسود، والجن والإنس.....اهـ.
والله أعلم.