عنوان الفتوى : ضعف حديث : ( عُرَى الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ ..)
قرأت على هذا الموقع في إحدى إجاباتكم أن من لم يصم رمضان يظل مسلماً. فكيف تفسرون إذاً الحديث المروي عن ابن عباس رضي الله عنه الذي يقول فيه: ( دعائم الإسلام ثلاثة : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة ، وصيام رمضان، من ترك واحداً منها فقد كفر) رواه أبو يعلى ، والهيثمي ، والإمام الذهبي في " كتاب الكبائر " .
الحمد لله
أولا :
روى أبو يعلى في "مسنده" (2349) ، واللالكائي في "شرح اعتقاد أهل السنة" (1576) ،
وابن عبد البر في "الاستذكار" (2/154) من طريق مُؤَمّل بن إسمَاعيل ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ ، عَنْ أَبِي
الْجَوْزَاءِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، - قَالَ حَمَّادٌ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا
قَدْ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( عُرَى
الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الْإِسْلَامُ
مَنْ تَرَكَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةً فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ : شَهَادَةُ
أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ ، وَصَوْمُ
رَمَضَانَ ) .
وهذا حديث ضعيف ، وفيه علل :
أولا : مؤمل بن إسماعيل سيء الحفظ ، قال أبو حاتم: صدوق شديد في السنة ، كثير
الخطأ، وقال البخاري: منكر الحديث ، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير.
"ميزان الاعتدال" (4/ 228) .
ثانيا : الوقف ، فقد خالفه من هو أوثق منه فأوقفه على ابن عباس .
قال ابن رجب رحمه الله :
" رواه قتيبة عن حماد بن زيد ، فوقفه ، واختصره ولم يتمه.
ورواه سعيد بن زيد - أخو حماد - عن عمرو بن مالك ورفعه .
والأظهر: وقفه على ابن عباس " انتهى من "فتح الباري" (1/ 24-25) .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" ويغلب على الظن : أن الحديث إن كان له أصل عن ابن عباس رضي الله عنه ، فهو موقوف
عليه ، فقد تردد حماد بن زيد بعض الشيء في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، نعم
جزم برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم سعيد بن زيد أخو حماد، لكنْ سعيد هذا ليس
بحجة ، كما قال السعدي ، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي " انتهى من "سلسلة
الأحاديث الضعيفة" (1/ 212) .
ثالثا : عمرو بن مالك النكري : لم يوثقه غير ابن حبان ، فهو في عداد المجهولين ؛
لأن ابن حبان رحمه الله يتساهل في التوثيق ، ومع ذلك فقد قال في ترجمته : " يعتبر
حديثه من غير رواية ابنه عنه ، يخطىء ويغرب "
انظر : "التهذيب" (8/ 96) .
فهذا الحديث ضعيف لا يصح مرفوعا ولا موقوفا ، وقد ضعفه الألباني في "الضعيفة" (94) .
وعلى فرض ثبوته فهو محمول ـ
في غير الصلاة على الزجر الشديد ـ وكونه كفرا دون كفر ، أو يحمل على المستحل للترك
.
قال ابن رجب :
" فقد جعل ابن عباس ترك هذه الأركان كفرا ، لكن بعضها كفر يبيح الدم ، وبعضها لا
يبيحه ، وهذا يدل على أن الكفر بعضه ينقل عن الملة ، وبعضه لا ينقل.
وأكثر أهل الحديث على أن ترك الصلاة كفر ، دون غيرها من الأركان ، كذلك حكاه محمد
بن نصر المروزي وغيره عنهم " انتهى من "فتح الباري" (1/25).
وقال المناوي رحمه الله :
" هو من قبيل الزجر والتهويل ، أو الحمل على مستحل الترك " .
انتهى من "فيض القدير" (4/ 311) .
ثانيا :
روى الإمام أحمد (25121) ، وأبو يعلى (4566) ، والحاكم (49) عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ
رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( ثَلَاثٌ أَحْلِفُ
عَلَيْهِنَّ : لَا يَجْعَلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ
كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ ، وَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ : الصَّلَاةُ ،
وَالصَّوْمُ، وَالزَّكَاةُ ، وَلَا يَتَوَلَّى الله عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي
الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ
قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ ، وَالرَّابِعَةُ لَوْ
حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ: لَا يَسْتُرُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) .
صححه الحاكم ، وقال الهيثمي :
" رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا " .
انتهى من "مجمع الزوائد" (1/ 37) .
وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة" (1/102) : " إسناده جيد " .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (1387) .
وهذا هو الصحيح ، أما حديث ابن عباس فضعيف لا يصح مرفوعا ولا موقوفا كما تقدم ، فلا
يحتج به .
وينظر : إجابة السؤال رقم : (9400) ،
والسؤال رقم : (106481) .
والله أعلم .