عنوان الفتوى : يعاني من الرهاب الاجتماعي ويقع في المعاصي بسبب ذلك ويريد الانتحار
أنا إنسان غريب ومظلوم ، الناس يتجاهلونني ويهربون مني ، الموضوع طويل ، أختصره لكم: عمري 20 سنة من صغري وأنا معي نفس المشاكل ، الناس دائما يلومونني ، أنا لدي صعوبة في الفهم والكلام ، أغلط ، كثير السكوت والنسيان والتفكير ، ضعيف جسديا ، شخصيا ، عقليا ، أنا حاسس أكثرية الناس لا يتحدثون إلي ، ولا يستمعون إلي ، وبعضهم يتكبرون ، وبعضهم لا يريدون التعرف إلي ، وبعضهم يضحكون ويسخرون مني ، إذا غلطت أو أصبت : انظلم ، انقهر ؛ ليس لدي رد فعل وغيره ، دائما أغبى طالب في الفصل ، كثير التفكير ، أكثر تفكيري على البنات ، أنا طيب جدا ، عندما كنت صغير : كان الناس يستعبدوني ويستخدموني : احضر لي ، اشتر لي .... الخ ، لكن لا يكلفوني بمهمات كبيرة ، والطيبون يستعطفوني ، يقولون : هذا مسكين وطيب محترم ، حتى لو أتكلم : كلامي ممل ، لا معنى له ، ما في شيء أقوله ، كثير السؤال . سافرت إلى بريطانيا ، وعمري 16 سنة وأنا الآن 20 ، قبل أن آتي إلى هذا البلد : الناس قالوا : هذا مجنون في البنات ، سوف يشرب خمر ، يضرب نفسه إبر ، أو يستعمل مخدرات ، وهذه حقيقة ، أنظر إلى البنات ، طعمت الخمر ، بدأت أشرب حشيش ، ومشاكلي كبرت ، بدأت أخاف ، ذهبت إلى طبيب نفسي ، ونصحني بوقف شرب الحشيش ، وتحسنت ، وأردت أحكي له مشاكلي ، ولكن لا أستطيع ، فضيحة ، إيش أقول له . كحاولت أنتحر كثيرا ، ولكن لا أجرؤ ، أخاف من الموت وعذاب الله ، عندي فكرة أخرى : أن أقطع صلتي بأهلي والناس ، وأكون وحيدا ، الآن بدأت لا أذهب إلى المسجد ، بدأت التهرب والانعزال ، أنا تعبت من الدنيا ، مصائبي ومشاكلي كثيرة ، ليس لها حل ، حتى من كثرة طبيتي وغبائي : أرضى بسهولة ، حتى أخشى من النصاري أن يردوني عن ديني . فماذا أفعل لأخرج من هذا الحالة ؟
الحمد لله
الأخ الفاضل ،
ما أجلها من نعمة ، نعمة الصدق مع النفس والشفافية والاطلاع المستمر على الأعماق ،
وما أعظمها من نعمة ، نعمة الخوف من الله وخشيته ، والرهبة من القدوم عليه في حالة
يأس وانتحار ، وما أجملها صفة الشجاعة في مواجهة النفس ، والسعي في إيجاد الحلول
للمشاكل التي تعتري الإنسان ، فلتحمد الله ابتداء على هذه النعم التي اجتمعت فيك .
قرأنا رسالتك و أعدنا ، فوجدنا أن كل المشكلة لديك تكمن فيما يسمى في علم النفس
بالرهاب الاجتماعي ، وقد يكون مصحوبا ببعض أعراض التوحد ولعل في هذه الفتوى ما
يفيدكم في الأمر : (191725)
.
لكن الجميل في كل ما ذكرت أنك جد واع بأن هناك مشكلة وبأنك تود حلها ، فلتخرج من
حساباتك مسألة الانتحار ولا تكرر ذلك ولو بينك وبين نفسك ، فإنما هي مشكلة نفسية
لها حل – بإذن الله - في الطب الحديث ، وقبلها في القرب من الله ، والثقة بما عنده
ثم بالقوة الداخلية بأنك ستغير من نفسك .
ليس الأمر صعبا كما أوردت في رسالتك ، فأول خطوة في طريق الشفاء تشخيص الداء ، وها
أنت قد نجحت في وضع أصبعك عليه .
أيها الفاضل ، من خلال رسالتك ، استشفينا مميزات لك ، لكنك تغاضيت عنها ، ولم تذكر
سوى العيوب ، إن كانت عيوبا أصلا !!
وأول هذه المميزات طيبتك وحبك للناس ، وكذا إحساسك المرهف ، وبلا شك هناك مميزات
أخرى لم تذكرها في رسالتك لكنها حتما موجودة ، ومن الظلم أن تتجاهلها ولا ترى سوى
العيوب
أيها الفاضل ،
ننصحك أن تزور طبيبا نفسيا مستعجلا ، فهناك أدوية ، وهناك حصص للمتابعة فسارع
بالقيام بذلك ، وليس هناك ما يشينك ، أو يجعلك تستحيي من فضيحة نفسك ، فهذا مرض ،
كسائر الأمراض العضوية ، يحتاج إلى المصارحة مع الطبيب ، ليتمكن من تشخيصه الدقيق ،
ومتابعة علاجك الصحيح ، إن المرأة الحيية المتسترة ، تذهب إلى الطبيب في أمراضها
النسائية ، وتصارحه ؛ فكيف بالرجل في مثل ذلك ؟!
وفي الانتظار ، ننصحك بما يلي :
إصلاح العلاقة مع الله ، وذلك بالتوبة النصوح من كل ما ورد في رسالتك من التعاطي
للمخدرات وغيرها .
حافظ على صلاتك وعلى وضوئك وعلى الأذكار ، فإنك متى ما أصلحت ما بينك وبين ربك :
أصلح الله ما بينك وما بين العباد .
احرص على ورد من القرآن ، واشغل نفسك بقراءة ما يتيسر لك من الكتب النافعة .
قال رسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أحب الله تعالى العبد، نادى جبريل ، إن الله
تعالى يحب فلاناً، فأحببه ، فيحبه جبريل ، فينادي في أهل السماء : إن الله يحب
فلاناً فأحبوه ، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض) رواه البخاري
(3209) ، فاحرص على أن تتحبب إلى الله بالطاعات ، وتتقرب إله بتجديد التوبة ،
والتطهر من الذنوب ، وملازمة الطهارة الحسية أيضا : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ) البقرة / 222 ، فإن ذلك مدعاة لأن
يحبك سبحانك ، و إن أحبك جعل لك القبول بين الناس وحببهم فيك .
حاول أن تقنع نفسك بأنك قادر على تخطي هذه العقبة ، وعلى التغيير الإيجابي ، فتوكل
على الله ، واعزم على التغيير بصدق وقوة .
خذ ورقة وقلما واكتب بها كل محاسنك ومميزاتك ، وكل النعم التي أنعم الله عليك بها
من نعمة البصر والحركة والكلام وغيرها ، وقارن حالك مع من فقدوا هاته النعم ، فستجد
نفسك أحسن منهم حالا .
انعزالك وخوفك من مواجهة الناس ، قد أدى بك إلى الابتعاد عن المسجد وضيعت بذلك حق
الله عليك ، فالواجب أن ترجع إلى بيت الله ، وأن تصلي في جماعة ، وألا تنتظر أن
ينتبه لوجودك أحد ، أو أن يبادرك بالسلام .
افعل ذلك أنت : بادر الناس بالسلام ، واسأل عمن غاب منهم وكن بشوشا في وجوه الناس
مبتسما لهم تنل حبهم .
وللمزيد في هذه النقطة ، يرجى الاطلاع على الرد على السؤال التالي : (21865)
.
حسب بياناتك ، فأنت طالب ، لكنك لم تذكر تخصصك ولا هواياتك ، نصيحتنا أن تنكفئ على
دراستك ، وأن تحاول تثقيف نفسك بقراءة الكتب والمجلات الثقافية ، فالثقافة من أكبر
الأسلحة التي ستمنحك الثقة بنفسك ومن ثم مواجهة من حولك .
ابحث عن النجاح في حياتك في أشياء تحبها وتتقنها ، فتش في نفسك فلا بد لديك مواهب
وطاقات معطلة بسبب ما تمر به نفسانيتك من ضغوطات ، واستعن بالله ثم ببعض النصائح
الواردة في الرد التالي بخصوص آليات النجاح وطرق الابتعاد عن الفشل : (85362).
كلما أتيحت لك الفرصة ، فاسترخ أمام منظر طبيعي مبهج : مقطع من النت مثلا مع
الاستماع تارة إلى القرآن بصوت شجي ، وتارة بتخيل شخصيتك الجديدة التي تحب أن تكون
عليها .
إن كنت لا تحب نفسك أنت ، فكيف تريد أن يحبك الناس ؟ (هذا لو افترضنا أنهم لا
يحبونك) . حاول أن تحب نفسك ، وأن ترضى عنها ، وأن تتعلم الرضا بما أتاك الله من
نعم .
لا تكثر التفكير في حب الناس لك ولا في إنصاتهم إليك ، وإنما ابذل جهدك في حبهم أنت
وفي احترامهم ، وفي الإنصات إليهم ، وتعلم ألا تتكلم كثيرا ، وألا تتحدث إلا حينما
تستجمع كل الفكرة في ذهنك .
وفي الأخير ، نذكرك بضرورة المتابعة عند طبيب نفسي ، فما تعاني منه شيء يسير ، إن
شاء الله ، ومنتشر عند الكثيرين ، ويستجيب للدواء ولجلسات الطب النفسي ، فتوكل على
الله واعزم على أمر العلاج .
نسأل الله باسمه الشافي : أن يشفيك ، ونسأله باسمه الودود : أن يحبب فيك خلقه ، وأن
يفرج كربك .
والله أعلم .