عنوان الفتوى : هل يحرم عمله بنظام الورديات لما يسببه عليه من ضرر قياسا على التدخين ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

إن التدخين حرام بناءاً على ضرره ، فهل كلما قسنا الضرر والمنفعة ، وطغت المضار على المنافع ، قلنا : إن هذا حرام ، وسبب هذا السؤال أني أعمل في شركة وعملنا (ورديات) ، حيناً في النهار ، وحيناً في الليل ، وقد طغت المضار على المنافع في القياس . فهل أبحث عن عمل آخر ؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق


الحمد لله
نهت الشريعة المطهرة عن كل ما يؤذي الإنسان ، ويلحق به الضرر في دينه أو دنياه , وقد دل على هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا ضرر ولا ضرار" أخرجه ابن ماجه (2340) ، وصححه الألباني في " غاية المرام " (68) .
يقول الشاطبي في " الموافقات " (3 / 185)" الضرر والضرار : مبثوث منعه في الشريعة كلها، في وقائع جزئيات ، وقواعد كليات ؛ كقوله تعالى: (ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا) البقرة/ 231، ( ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن(الطلاق/ 6 ،(لا تضار والدة بولدها) البقرة/ 233 Kومنه النهي عن التعدي على النفوس والأموال والأعراض ، وعن الغصب والظلم ، وكل ما هو في المعنى إضرار أو ضرار ، ويدخل تحته الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال ؛ فهو معنى في غاية العموم في الشريعة لا مراء فيه ولا شك ، وإذا اعتبرت أخبار الآحاد وجدتها كذلك" انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " كل شيء يضر بالشخص في دينه أو دنياه : محرم عليه تعاطيه : من سم أو دخان أو غيرهما مما يضره ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) .
انتهى من " مجموع فتاوى ابن باز "(6/23-24).
ومن جملة الأشياء التي تسبب الضرر الدخان فقد ثبت يقينا ضرره وتسببه في الأمراض المزمنة الفتاكة , كما سبق بيانه في الفتوى رقم : (10922).
أما سؤالك أيها الأخ الكريم عن العمل بما يعرف بنظام الورديات ، بحيث يكون عمل الشخص أحيانا بالليل وأحيانا بالنهار ، فهذا وإن كان شاقا مرهقا لصاحبه ، إلا أنه لا يمكن الحكم بتحريمه قياسا على تحريم الدخان ؛ ووجه الفرق بينهما أن الدخان ضار بنفسه ، مسبب بذاته للأمراض المتلفة المهلكة , أما السهر بالليل والعمل به ، وتغيير ساعات النوم فهو في الأصل من جملة المباحات , وإن تسبب عنه ضرر فعن طريق التبع , ثم هو متفاوت تفاوتا عظيما بين شخص وشخص ، ومازالت مثل تلك الأعمال شائعة في الناس ، يعملون مثلها في كل زمن ، دون نكير ، أو ضرر عام بها ، فلا يصح القياس الذي ذكرته بوجه معتبر .
ومع هذا ، فإن ثبت أن هذا الفعل ضار لشخص بعينه ، فينبغي له أن يجتنبه ، ويسعى في الحصول على عمل آخر ، بل يجب عليه ذلك ، متى تضرر بذلك ضررا ظاهرا .
فإذا كان الأمر ، على ما ذكرته : من أن المفاسد في عملك قد طغت على المصالح ، فما الذي يحملك على البقاء فيه ؟ فاتركه ، وابحث عن آخر أنسب لك ؛ وإن كنا نفضل لك ألا تتركه إلا بعد أن تجد البديل المناسب ؛ فإن مصلحة كف الوجه ، والاستغناء عن الناس بكسب اليد ، وإن كان متعبا شاقا : مصلحة عظيمة ، لا يقدرها حق قدرها ، إلا من احتاج إلى الناس ، وعانى ذل المسألة .
والله أعلم.