عنوان الفتوى : حكم الدعاء الجماعي في المسجد بعد الفراغ من ختم القرآن في صلاة التراويح .
في المنطقة التي أعيش فيها أتلانتا نذهب لصلاة التراويح ونصلي عشرين ركعة ، ثم بعد ذلك بساعة تُقام جماعة أخرى يُطلق عليها اسم قيام الليل فتُصلى أربع إلى ست ركعات ، إننا نختم القرآن في السابع والعشرين من رمضان في الصلاتين ، وأريد الآن أن أعرف هل حضور صلاة قيام الليل المذكورة في المسجد من قبيل البدعة ؟ وما الدليل ؟ علماً أنه بعد كل صلاة يقومون بمناجاة جماعية طويلة ، فهل يجوز لي المكوث معهم أثناء هذه المناجاة ؟، وماذا عن المناجاة التي يؤتى بها عند ختم القرآن؟ هل يجوز الاشتراك فيها ؟ وهل أمكث في المسجد إلى أن ينتهي الإمام من تلك المناجاة ويغادر؟ أم يجوز لي الانصراف بمجرد انتهاء الصلاة ؟
الحمد لله.
أولا :
لا حرج أن يصلي أهل المسجد صلاة التراويح عشرين ركعة ، ثم إذا أرادوا أن يصلوا بعد ذلك ما شاءوا : ستا أو ثمانيا أو عشرا ، أو أكثر أو أقل فليصلوا ، ثم يختمون بركعة الوتر ، على أن لا تحملهم كثرة الصلاة على عدم الطمأنينة فيها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" نَفْسُ قِيَامِ رَمَضَانَ لَمْ يُوَقِّتْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ عَدَدًا مُعَيَّنًا ؛ بَلْ كَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيْرِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةِ رَكْعَةً ، لَكِنْ كَانَ يُطِيلُ الرَّكَعَاتِ ، فَلَمَّا جَمَعَهُمْ عُمَرُ عَلَى أبي بْنِ كَعْبٍ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً ثُمَّ يُوتِرُ بِثَلَاثِ وَكَانَ يُخِفُّ الْقِرَاءَةَ بِقَدْرِ مَا زَادَ مِنْ الرَّكَعَاتِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ ، ثُمَّ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ يَقُومُونَ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثِ ، وَآخَرُونَ قَامُوا بِسِتِّ وَثَلَاثِينَ وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثِ وَهَذَا كُلُّهُ سَائِغٌ ، فَكَيْفَمَا قَامَ فِي رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَقَدْ أَحْسَنَ ، وَالْأَفْضَلُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ : فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ احْتِمَالٌ لِطُولِ الْقِيَامِ فَالْقِيَامُ بِعَشْرِ رَكَعَاتٍ وَثَلَاثٍ بَعْدَهَا كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ هُوَ الْأَفْضَلُ ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَحْتَمِلُونَهُ فَالْقِيَامُ بِعِشْرِينَ هُوَ الْأَفْضَلُ ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِهِ أَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ وَسَطٌ بَيْنَ الْعَشْرِ وَبَيْنَ الْأَرْبَعِينَ ، وَإِنْ قَامَ بِأَرْبَعِينَ وَغَيْرِهَا جَازَ ذَلِكَ وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ، وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ قِيَامَ رَمَضَانَ فِيهِ عَدَدٌ مُوَقَّتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُزَادُ فِيهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ فَقَدْ أَخْطَأَ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 /272) .
وقال علماء اللجنة :
" صلاة التراويح في شهر رمضان سنة مؤكدة فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي ثم تأخر عنهم خشية أن تفرض عليهم ، وفعلها أصحابه في عهده وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، واستمر العمل بها إلى اليوم ، وأما عدد ركعاتها فلم يثبت فيه حد محدد والعلماء مختلفون فيه: منهم من يرى أنه ثلاث وعشرون ومنهم من يرى أنه ست وثلاثون ومنهم من يرى أكثر ومنهم يرى أقل ، والصحابة صلوها في عهد عمر ثلاثا وعشرين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والنبي كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ولم يحدد للناس عددا معينا في التراويح وقيام الليل ، بل كان يحث على قيام الليل وعلى قيام رمضان بالذات .
فمن كان يطيل الصلاة فإنه يقلل عدد الركعات كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن كان يخفف الصلاة رفقا بالناس فإنه يكثر عدد الركعات كما فعل الصحابة في عهد عمر .
ولا بأس أن يزيد في عدد الركعات في العشر الأواخر عن عددها في العشرين الأول ويقسمها إلى قسمين قسما يصليه في أول الليل ويخففه على أنه تراويح كما في العشرين الأول ، وقسما يصليه في آخر الليل ويطيله على أنه تهجد ؛ فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6 /82) .
ثانيا :
الذي يقومون به من المناجاة الجماعية الطويلة : إن كان ذلك في موطن القنوت ، من آخر ركعة من ركعات الصلاة ( الوتر ) : فهو مشروع حسن ، لا حرج فيه .
وإن كان ذلك بعد انقضاء الصلاة ، كما فهمنا من السؤال ، فهو بدعة : لم يكن من فعل الصحابة والسلف ، ولا استحبه أحد من الأئمة – فيما نعلم – والواجب الإنكار عليهم وتعليمهم السنة وتعريفهم بأن هذه المناجاة من البدع المحدثات ، ومن أراد المناجاة والذكر والدعاء فليكن ذلك بصورة فردية لا جماعية ، وبصوت منخفض ، على أن تكون دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة .
سئل علماء اللجنة :
هناك بعض أئمة المساجد بعد كل أربع ركعات من صلاة التراويح يقولون دعاء جماعيا مثل قولهم ( اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا ) فما حكم ذلك ؟
فأجابت اللجنة :
" لا يجوز الدعاء الجماعي بعد كل أربع ركعات ؛ لأن هذا بدعة حيث لا دليل عليه من الكتاب والسنة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (6 /85) .
راجع جواب السؤال رقم : (10491) ، (37753) .
ثالثا :
ينبغي لكم أن تستمروا في صلاتكم معهم ، ودعوتهم إلى السنة ، ولكن لا تتابعوهم على هذه المناجاة ، وإنما تجلسون منتظرين الصلاة لتصلوا معهم ، وتنشغلون بقراءة القرآن أو بالدعاء والذكر ، كلٌّ مع نفسه ، وأنتم تنكرون بقلوبكم وألسنتكم كل عمل مخالف للسنة ، وكل محدثة في دين الله .
فإن أصروا على فعل هذه البدعة وأمكنكم الصلاة في مسجد آخر ، أهله حريصون على اتباع السنة ، واجتناب البدعة فهو الأولى .
راجع جواب السؤال رقم : (108506) .
رابعا :
ليس في السنة النبوية دعاء خاص بعد ختم القرآن ، ولا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الأئمة المشهورين .
فلا أصل للدعاء بعد الختمة في الصلاة .
أما خارج الصلاة فقد ثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه .
راجع جواب السؤال رقم : (65581) .
ولا يعرف عن الصحابة ومن بعدهم من السلف الاجتماع في المسجد للدعاء بعد ختم القرآن في التراويح ، لا في الصلاة ولا خارج الصلاة .
ولكن لما كان الدعاء بعد ختم القرآن ثابتا عن أنس رضي الله عنه وعن غيره من التابعين ، فلا حرج فيه بصفة عامة ، على أن لا يكون بصورة جماعية ، وأن لا يداوَم عليه ، ولا يلتزم فيه صيغة معينة .
قال علماء اللجنة :
" الدعاء بعد ختم القرآن مشروع ، إلا أنه لا يداوم عليه ولا يلتزم فيه صيغة معينة كأنه سنة متبعة ، لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإنما فعله بعض الصحابة رضي الله عنهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (2 /480) .
راجع للفائدة جواب السؤال رقم : (143240) .
والله تعالى أعلم .