عنوان الفتوى : حـقـيـقـة الـزهـد ومفهومه الصحيح
لماذا لا يتم الله نعمته على عبده إلا إذا زهد العبد فيها بالرغم من حاجته الشديدة لهذه النعمة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن نعم الله تعالى مبسوطة في الدنيا للبر والفاجر والزاهد والحريص، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً * كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً) [الإسراء:18-20].
هذا من جهة، ومن جهة ثانية من قال إنه مطلوب من المسلم أن يزهد في النعم وهو في حاجة شديدة لها!! فالصحة نعمة والمال نعمة والزواج والسكن والطعام .. كل ذلك من النعم.. ولم نؤمر بالزهد فيها بإطلاق، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في من ترك الزواج زهدًا وتبتلاً: "فمن رغب عن سنتي، فليس مني" رواه البخاري ومسلم. وكذلك المال الذي هو قوام الحياة، يقول الله تعالى فيه: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) [النساء:5].
وقال صلى الله عليه وسلم : "نعم المال الصالح للمرء الصالح" رواه أحمد، وقال الأرناؤوط: صحيح على شرط مسلم.
وفي الجملة الحوائج الضرورية لا تدخل في الزهد، إنما الزهد فيما زاد على حاجة الشخص أي في الفضول من الأموال والمساكن والملابس، على أن من كانت الفضول الكثير في يده ولم يتعلق قلبه بها فهو زاهد أيضًا، فالزهد ليس خلو اليد من المال، ولا هو لبس الخشن من الثياب، أو أكل اليابس من الطعام، ولكن الزهد قصر الأمل.
يقول شيخ الإسلام: إذا سلم القلب من الهلع، واليد من العُدوان كان صاحبه محمودًا؛ وإن كان معه مال عظيم، بل قد يكون مع هذا زاهدًا أزهد من فقير هلوع.
فليس للمسلم أن يضيق على نفسه، ويظن أن هذا من الزهد، أو أنه يقربه إلى الله، فمن أخذ المال من حله، وأنفقه في الحلال، فهو مأجور ما لم يخرج إلى حد السرف والترف.
والله أعلم.