عنوان الفتوى : دلائل صحة القرآن وبعثة النبي صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل فعلا القرآن كلام الله؟ أنا مسيحي من فلسطين وعندي أصدقاء مسلمون وأرى الإخلاص فيهم وأريد أن أصبح مسلما، ولكن ما الدليل على وجود الإسلام؟ وما الدليل على صحة القرآن؟ أريد أن أعتنق الإسلام وأن لا أندم بعد أن أموت، ولكن أقول في نفسي إذا كان لا يوجد إسلام ولم يأت نبي اسمه محمد، فهل يوجد دليل ليس من القرآن؟.

مدة قراءة الإجابة : 6 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد: 

فنسأل الله أن يهديك صراطه المستقيم، ثم اعلم ـ هداك الله ـ أن وجود الإسلام ونزول القرآن ووجود شخص جاء بهذا القرآن هو محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من الأمور التي لا يسع عاقلا جحدها، ولا يمكن أحدا يدري ما يقول أن ينفيها، لأنها من الأمور القطعية التي لا مجال لمناقشتها، فقد تواتر نقل هذا عن أمم لا يحصون كثرة، وأنت تصدق ولا شك بوجود بلد اسمه فرنسا وبريطانيا ونحو ذلك وربما لم تسافر إلى هذه البلاد ولم ترها، بل وتؤمن بالمسيح ومن تقدمه من الأنبياء كإبراهيم وموسى وغيرهما عليهم جميعا السلام، فأين دليلك على وجود هؤلاء الأنبياء وأنه وجد في الزمن القديم نبي اسمه موسى أوحى الله إليه كتابه التوراة؟ إن أي دليل يقوم على وجود هؤلاء الأنبياء عليهم السلام فمثله بل أظهر منه بكثير قائم على وجود نبينا صلى الله عليه وسلم، وأي دليل يقوم على صدق هؤلاء الأنبياء فمثله بل أظهر منه قائم على صدق نبينا صلى الله عليه وسلم، بل لا يعرف صدق الأنبياء السابقين على نبينا صلى الله عليه وسلم وتظهر صحة رسالتهم من طريق سالم عن المعارض إلا من طريق نبينا صلى الله عليه وسلم، وقد ناظر علماء المسلمين كثيرا من اليهود والنصارى وألزموهم بهذه اللوازم فلم يجدوا بدا من التزامها، وحسب النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على صدقه ما جاء به من الوحي المبين الدال على كل خير في الدنيا والآخرة، وقد تحدى جميع العالم أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله فعجزوا عن آخرهم مع كثرتهم وحرصهم على معاداته ومخاصمته وما كان لهم من الفصاحة والبلاغة، فلم يبق شك في أنه كلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد أيد الله نبيه صلى الله عليه وسلم وأظهره وأظهر أتباعه على أهل الأرض إذ ذاك، فيمتنع أن يؤيده الله هذا التأييد وينصره وأتباعه هذا النصر وهو يكذب عليه ويبدل دينه الذي شرعه لعباده، وبهذه الحجة احتج الإمام ابن القيم وهو أحد كبار علماء المسلمين على بعض من ناظره من اليهود، وتأمل كلامه الذي نسوقه لك، قال رحمه الله: وَقَدْ جَرَتْ لِي مُنَاظَرَةٌ مَعَ أَكْبَرِ مَنْ تُشِيرُ إِلَيْهِ الْيَهُودُ بِالْعِلْمِ وَالرِّئَاسَةِ، فَقُلْتُ لَهُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ: إِنَّهُمْ بِتَكْذِيبِهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقَدْ شَتَمْتُمُ اللَّهَ أَعْظَمَ شَتِيمَةً، فَعَجِبَ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: مِثْلُكَ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ! فَقُلْتُ لَهُ: اسْمَعِ الْآنَ تَقْرِيرَهُ، إِذَا قُلْتُمْ: إِنَّ مُحَمَّدًا مَلِكٌ ظَالِمٌ قَهَرَ النَّاسَ بِسَيْفِهِ، وَلَيْسَ بِرَسُولٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَقَدْ أَقَامَ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يَدَّعِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً، وَيَقُولُ: أَمَرَنِي اللَّهُ بِكَذَا وَنَهَانِي عَنْ كَذَا وَأُوحِيَ إِلَيَّ كَذَا، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَيَقُولُ: إِنَّهُ أَبَاحَ لِي سَبْيَ ذَرَارِيِّ مَنْ كَذَّبَنِي وَخَالَفَنِي وَنِسَاءَهُمْ، وَغَنِيمَةَ أَمْوَالِهِمْ، وَقَتْلَ رِجَالِهِمْ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَهُوَ يَدْأَبُ فِي تَغْيِيرِ دِينِ الْأَنْبِيَاءِ وَمُعَادَاةِ أُمَمِهِمْ وَنَسْخِ شَرَائِعِهِمْ، فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ تَقُولُوا: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَانَ يَطَّلِعُ عَلَى ذَلِكَ وَيُشَاهِدُهُ وَيَعْلَمُهُ، أَوْ تَقُولُوا: إِنَّهُ خَفِيَ عَنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَإِنْ قُلْتُمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ نَسَبْتُمُوهُ إِلَى أَقْبَحِ الْجَهْلِ، وَكَانَ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَإِنْ قُلْتُمْ، بَلْ كَانَ كُلُّهُ بِعِلْمِهِ وَمُشَاهَدَتِهِ وَاطِّلَاعِهِ عَلَيْهِ، فَلَا يَخْلُو: إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى تَغْيِيرِهِ، وَالْأَخْذِ عَلَى يَدَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا، فَقَدْ نَسَبْتُمُوهُ إِلَى أَقْبَحِ الْعَجْزِ الْمُنَافِي لِلرُّبُوبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ قَادِرًا، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُعِزُّهُ وَيَنْصُرُهُ وَيَوَدُّهُ، وَيُعْلِيهِ وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ، وَيُجِيبُ دُعَاءَهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ أَعْدَائِهِ، وَيُظْهِرُ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ مَا يَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ، وَلَا يَقْصِدُهُ أَحَدٌ بِسُوءٍ إِلَّا ظَفَرَ بِهِ، وَلَا يَدْعُوهُ بِدَعْوَةٍ إِلَّا اسْتَجَابَهَا لَهُ، فَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ الظُّلْمِ وَالسَّفَهِ الَّذِي لَا يَلِيقُ نِسْبَتُهُ إِلَى آحَادِ الْعُقَلَاءِ، فَضْلًا عَنْ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، فَكَيْفَ وَهُوَ يَشْهَدُ لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى دَعْوَتِهِ وَتَأْيِيدِهِ بِكَلَامِهِ، وَهَذِهِ عِنْدَكُمْ شَهَادَةُ زُورٍ وَكَذِبٍ؟ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ، قَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَفْعَلَ اللَّهُ هَذَا بِكَاذِبٍ مُفْتَرٍ، بَلْ هُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ مَنِ اتَّبَعَهُ أَفْلَحَ وَسَعِدَ، قُلْتُ: فَمَا لَكَ لَا تَدْخُلُ فِي دِينِهِ؟ قَالَ: إِنَّمَا بُعِثَ لِلْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ، وَأَمَّا نَحْنُ فَعِنْدَنَا كِتَابٌ نَتَّبِعُهُ، قُلْتُ لَهُ: غُلِبْتَ كُلَّ الْغَلَبِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَلِمَ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَإِنَّ مَنْ لَمْ يَتْبَعْهُ فَهُوَ كَافِرٌ مِنْ أَهْلِ الْجَحِيمِ، وَقَاتَلَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ، وَإِذَا صَحَّتْ رِسَالَتُهُ وَجَبَ تَصْدِيقُهُ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ، فَأَمْسَكَ وَلَمْ يُحِرْ جَوَابًا. انتهى.

والكتب التي بأيدي اليهود والنصارى على ما فيها من تحريف وتبديل فيها الكثير من النصوص الدالة على بعثة النبي صلى الله عليه وسلم المبينة لصفته، وراجع كتاب إظهار الحق لرحمة الله الهندي ـ رحمه الله ـ وبالجملة فدلائل صدق النبي صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته أوضح من الشمس لكل ذي بصر صحيح، فمن أراد الله هدايته وتوفيقه فإنه يبصره بالحق، وهذه الأدلة مبثوثة في متناول كل من طلبها كالماء والهواء، فمن كان صادقا في طلب الحق هداه الله إليه، ونختم بأن ندعوك بالدعوة التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم هرقل قيصر الروم حيث كتب إليه: أسلم تسلم وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، ويا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون.

والله أعلم.