عنوان الفتوى : هل يشرع إذا عطس الطفل الصغير أن نحمد الله عنه ؟
حين يعطس طفلي أقول أنا الحمد لله ، فهل هذه بدعة ؟ وأيضاً هل يجب علينا أن نقول الحمد لله لو عطسنا أثناء الصلاة ؟
الحمد لله
أولا :
تشميت العاطس ، إذا حمد الله : من الآداب الشرعية المتأكدة ، وهي حق من حقوق المسلم
على أخيه .
وينظر جواب السؤال رقم : (67805) ، ورقم : (178639) .
فأما من لم يحمد الله ، فإنه لا يستحق أن يشمت :
روى البخاري (6221) ومسلم (2991) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ : عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ : ( هَذَا
حَمِدَ اللَّهَ ، وَهَذَا لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ ) .
وعَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ : " دَخَلْتُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ فِي بَيْتِ
بِنْتِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَعَطَسْتُ فَلَمْ يُشَمِّتْنِي ، وَعَطَسَتْ
فَشَمَّتَهَا ، فَرَجَعْتُ إِلَى أُمِّي فَأَخْبَرْتُهَا ، فَلَمَّا جَاءَهَا
قَالَتْ : عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي فَلَمْ تُشَمِّتْهُ ، وَعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا ؟
فَقَالَ : إِنَّ ابْنَكِ عَطَسَ فَلَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَمْ أُشَمِّتْهُ ،
وَعَطَسَتْ فَحَمِدَتْ اللَّهَ فَشَمَّتُّهَا ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ
فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ ) رواه مسلم (2992)
.
قال النووي رحمه الله :
" هَذَا تَصْرِيح بِالْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ إِذَا حَمِدَ الْعَاطِس , وَتَصْرِيح
بِالنَّهْيِ عَنْ تَشْمِيته إِذَا لَمْ يَحْمَدهُ فَيُكْرَه تَشْمِيته إِذَا لَمْ
يَحْمَد , فَلَوْ حَمِدَ وَلَمْ يَسْمَعهُ الْإِنْسَان لَمْ يُشَمِّتهُ ، وَقَالَ
مَالِك : لَا يُشَمِّتهُ حَتَّى يَسْمَع حَمْده ، قَالَ : فَإِنْ رَأَيْت مِنْ
يَلِيه شَمَّتَهُ فَشَمِّتْهُ " انتهى من " شرح النووي على مسلم " (18/121) .
وينظر جواب السؤال رقم : (3448) ، ورقم : (106432) .
ثانيا :
إذا كان الصبي مميزا ، يعقل التعليم والتأديب ، فإنه يشرع تعليمه وتأديبه على حمد
الله إذا عطس ، كما ثبت من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للغلام آداب الطعام ،
وأمر بتعليم الصبيان الصلاة ، ونحو ذلك .
" ( وَيُعَلَّمُ صَغِيرٌ وَقَرِيبُ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ الْحَمْدُ لِلَّهِ )
وَكَذَلِكَ يُعَلَّمُ مَنْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ ، لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ
الْجَهْلِ بِذَلِكَ ...
( وَيُقَالُ لِصَبِيٍّ عَطَسَ وَحَمِدَ: بُورِكَ فِيك أَوْ) يُقَالُ لَهُ : (
جَبَرَكَ اللَّهُ أَوْ ) يُقَالُ لَهُ: ( يَرْحَمُكَ اللَّهُ ) قَالَهُ الشَّيْخُ
عَبْدُ الْقَادِر .." انتهى من "مطالب أولي النهى" (1/945) وينظر " كشاف القناع"
(2/158) .
والظاهر أنه لا فرق في حق من حمد بين أن يكون صغيرا أو كبيرا ، فيشمت الكل بلفظ
واحد : " يرحمك الله " .
قال في " فتح المعين" (4/219) .
"ولم يفرق النووي في الأذكار بين ما يشمت به الكبير والصغير". انتهى من "فتح المعين
شرح ألفاظ المعين" (4/219) .
ثالثا :
إذا كان طفلا صغيرا ، لم يبلغ حد التعلم ، ولا يحسن أن يتلقن الحمد ؛ فقد ذهب بعض
أهل العلم إلى أن وليه يحمد عنه ؛ لكن الأظهر أن الحمد إنما يطلب من العاطس ، ولا
ينوب عنه غيره فيه ؛ لكن لو دعا له بما يناسب الحال ، من الرحمة ، أو الصلاح ونحوها
، فنرجو ألا يكون به بأس ، لأنه ليس مفرطا في ترك الحمد ، والدعاء لمثله مشروع في
الجملة ، لكن الأولى ألا يتخذ سنة راتبة .
قال ابن مفلح رحمه الله في "الآداب الشرعية" (2/ 343):
" وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ
الصَّبِيِّ الصَّغِيرِ يَعْطِسُ قَالَ : يُقَالُ : لَهُ بُورِكَ فِيكَ .
وَقَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ : إنْ عَطَسَ صَبِيٌّ ، يَعْنِي : عَلِمَ الْحَمْدُ
لِلَّهِ ، ثُمَّ قِيلَ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ ، أَوْ بُورِكَ فِيكَ وَنَحْوُهُ ،
وَيَعْلَمُ الرَّدَّ .
وَإِنْ كَانَ طِفْلًا حَمِدَ اللَّهَ وَلِيُّهُ أَوْ مَنْ حَضَرَهُ ، وَقِيلَ لَهُ
: نَحْوُ ذَلِكَ . انْتَهَى كَلَامُهُ . [ قال ابن مفلح ] : أَمَّا كَوْنُهُ
يُعَلَّمُ الْحَمْدَ فَوَاضِحٌ ، وَأَمَّا تَعْلِيمُهُ الرَّدَّ فَيَتَوَجَّهُ
فِيهِ مَا سَبَقَ فِي رَدِّ السَّلَامِ [ يعني : من عدم الجمع بينهما ] ؛ لَكِنْ
ظَاهِرُ مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ يُدْعَى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ
يَحْمَدْ اللَّهَ ، لَكِنْ قَدْ يُقَالُ : الدُّعَاءُ لَهُ تَشْمِيتٌ فَيَتَوَقَّفُ
عَلَى قَوْلِهِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ كَالْبَالِغِ ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ
فِي كَلَامِهِمْ ... وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .
" انتهى من " الآداب الشرعية " ( 2/327) .
رابعا :
من عطس في الصلاة شرع له أن يحمد الله ، لكن ليس له أن يشوش على غيره بذلك ، أو
يشغله به في الصلاة .
فإذا عطس فلم يحمد الله فلا شيء عليه .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا عطس الإنسان في الصلاة ، وخارج الصلاة : فحمد الله تعالى ليس بواجبٍ عليه ؛
بل هو أفضل وأكمل ، ولو لم يحمد الله لم يكن آثماً بذلك .
والحمد عند العطاس مشروعٌ للإنسان في حال الصلاة وفي حال عدم الصلاة ، إلا أنه إذا
كان في الصلاة وخاف أن يشوش على من معه من المصلين فليسر بالحمد ولا يجهر به ؛ لأنه
يخشى إذا جهر به أن يشوش على المصلين أو أن يستعجل أحدٌ من الناس فيقول يرحمك الله
، وإذا قال أحدٌ لمن عطس فحمد الله : يرحمك الله والقائل يصلى ، فإن صلاته تبطل "
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (5 /313) .
وينظر إجابة السؤال رقم (106435) .
والله أعلم .