عنوان الفتوى : تكلم عن فتاة حتى أفسد عليها خطبتها ثم تاب ، فماذا عسى أن يفعل ؟
أنا شاب كنت أحب فتاة صديقة لي في الجامعة ، والله عالم بصدق نيتي اتجاها وأني كنت صادقا في علاقتي معها وأردتها زوجة لي ، وكنت كثير النصح لها فيما يرضي الله ، واكتشفت لاحقا أنها قد أخطأت بعلاقات محرمة من أحاديث مع شباب آخرين ، وأنها كانت تكذب علي وقد خانتني ، وبعد ذلك بفترة أحببت أن أكون قريبا منها لكي أذكرها بربها وأقربها من الله وأبعدها عن الطريق الخطأ الذي كانت به . مرت الأيام الطويلة وكانت قد تعرفت على شاب من غير علمي وابتعدت عني رويدا رويدا حتى علمت أن الشاب قد تقدم لخطبتها ، وهي كانت فرحة به وتخلت عني وعن كل شيء بسببه ، وأنها كانت تكذب علي بحبها لي ، فلم أتمالك نفسي وكان الشيطان قد سيطر على غضبي واستغل ضعفي ليجعلني أتكلم عما مضى من أمرها أمام هذا الشاب لكي أنتقم منها وأبعدها عنه ، وقد بعد عنها ولم تتم الخطبة ، والآن أنا أحس بذنب فظيع لأني تكلمت عنها بما مضى من أمرها ، ولم أزد في حديثي شيئا ، إنما تكلمت عن شيء فعلته فعلا . وأنا الآن أسأل الله أن يتوب علي ، وأن يغفر لي ما قد أخطأته بحقها ؛ وأدعو لها دائما في صلاتي ، فهل يتقبل الله توبتي ؟ وماذا علي أن أفعله ؟ أفيدوني ، جزاكم الله خيرا .
الحمد لله
أولا :
علاقة الشاب بالفتاة الأجنبية عنه علاقة محرمة ، وإن زعم أنه كان صادقا معها ، أو
كان يريدها زوجة له ، أو كان يدعوها بزعمه إلى الالتزام وينصحها به ، وليس له عليها
أدنى ولاية ولا أي حق .
روى أبو نعيم في "الحلية" (4/84)عن ميمون بن مهران قال : " ثلاث لا تبلون نفسك بهن
: لا تدخل على السلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ، ولا تدخل على امرأة وإن قلت
أعلمها كتاب الله ، ولا تصغين بسمعك لذي هوى ، فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه " .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله :
" عشق الأجنبية فيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، وهو من الأمراض التي
تفسد دين صاحبها ، ثم قد تفسد عقله ، ثم جسمه " انتهى . "مجموع الفتاوى " (10/132)
وراجع إجابة السؤال رقم (82941)
ونحمد الله تعالى أن تاب عليك من هذه البلية العظيمة والخصلة المشئومة.
ثانيا :
لا شك أن غضبك لنفسك ، ورغبتك في الانتقام من هذه الفتاة ، ثم كشفك سرها ، وسعيك
لإفساد خطبتها ، ولو كان بالتحدث بما كان فعلا من أمرها ، لا شك أنك بذلك قد وقعت
في أخطاء ، بل محرمات عديدة ، فقد هتكت ستر الفتاة ، وقد أمر الله بالستر على
المؤمنين ، وحذر من فضحهم وهتك سرتهم ، وكشف عورتهم . واغتبتها ، حتى وإن ذكرت ما
فيها ، فهذه هي حيقيقة الغيبة ، وقد نهاك الله عن ذلك . ثم سعيت في إفساد أمرها ،
وقد فعلت ؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله .
وقد عرّف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغِيبَة فقَالَ : ( ذِكْرُكَ
أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ) فقِيلَ له : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا
أَقُولُ ؟ قَالَ : ( إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ) رواه مسلم (2589)
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْغِيبَة مِنْ
الْكَبَائِرِ " انتهى .
"الزواجر" (2 /240)
ثالثا :
إذا كنت قد تبت فعلا وصدقت في توبتك ، فالرجاء في الله جل جلاله أن يتقبل منك ، وأن
يمن عليك بتوبة نصوح ، وأن يقيل عثرتك فيما مضى ، ويصلح شأنك فيما بقي .
وينظر جواب السؤال رقم (13990)
.
وقد أحسنت صنعا إذ اعترفت بذنبك ، وأقررت أنك قد أخطأت بحقها ، وهذا أول طريق
التوبة . والواجب عليك فعل كل ما يمكنك فعله في سبيل إصلاح ما أفسدت ، وأول ذلك
الاستغفار لها وسؤال الله أن يتوب عليها وأن يصلح حالها .
رابعاً :
عليك أن تجتهد في الثناء عليها في المجالس التي كنت تجلس فيها وتسيء إليها فيها ،
قدر طاقتك ذلك ، وبالقدر الذي يتناسب مع ذكر امرأة أجنبية عنك ، ولو كان ذلك بإكذاب
نفسك فيما كنت تحكيه عنها قبل ذلك ، أو بيان أن غضبك هو الذي حملك على ما قلت .
خامساً :
عليك التحلل منها بطلب المسامحة والعفو ، مع الاعتراف لها بالخطأ ، وأنك تسعى جديا
في تصحيح خطئك ؛ لأن من شروط صحة التوبة أنها إذا تعلقت بحق آدمي فلا بد من التحلل
منه ، هذا إذا كانت مصارحتها تنفع في ذلك ، وإلا فيكفيك الاستغفار لها والعمل على
إصلاح ما أفسدت كما تقدم بيانه .
وينظر جواب السؤال رقم (6308)
.
والله أعلم .